يقول النووى : وقد حكى أبو محمد بن قتيبة فى كتابه غريب الحديث وأبو المعالى إمام الحرمين فى كتابه : الإرشاد فى أصول الدين أن بعض القدرية قال : لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لاعتقادكم إثبات القدر. قال ابن قتيبة والإمام هذا تمويه من هؤلاء الجهلة ومباهتة وتواقح فإن أهل الحق يضيفون القدر والأفعال إلى الله سبحانه وتعالى وهؤلاء الجهلة يضيفونه إلى أنفسهم ومدعى الشيء لنفسه ومضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يعتقده لغيره وينفيه عن نفسه» (١). اه.
وبعد هذا أعود إلى ما أنا بصدد الكلام عنهم وهم الجبرية أتباع زعيم المعطلة الجهم بن صفوان الترمذي ومذهبهم فى القدر على النقيض من مذهب القدرية السابق ، وملخصه : أن العبد مجبور على ما يصدر منه من أفعال مسلوب الإرادة والاختيار تماما. وصدور الفعل منه ونسبته إليه مجاز والله هو الفاعل حقيقة (٢).
ولو رجعنا إلى آيات القرآن الكريم لوجدناها تنقض هذا الزعم وتقتلعه من أساسه فالله سبحانه وتعالى أثبت المشيئة والإرادة للعبد فى غير آية قال تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) (٣) ، وقال عزوجل (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٤) ، والله سبحانه وتعالى أضاف العمل إلى العبد فى غير آية قال جل شأنه (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (٥) ، وقال تبارك وتعالى (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٦) ، وقال جل شأنه (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) (٧).
__________________
(١) مسلم بشرح النووى : ١ / ١٥٤.
(٢) قال شارح الطحاوية : «وقد تسمى الجبرية قدرية لأنهم غلوا فى إثبات القدر». شرح العقيدة الطحاوية ص : ٥٩٢.
وفى موضع آخر قال : «وسموا قدرية لإنكارهم القدر ، وكذلك تسمى الجبرية المحتجون بالقدر قدرية أيضا ، والتسمية على الطائفة الأولى أغلب».
المصدر السابق ص : ١١٥ ، وانظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية : ٨ / ١٠٥.
(٣) سورة الكهف / ٢٩.
(٤) سورة فصلت / ٤٦.
(٥) سورة المدثر / ٣٨.
(٦) سورة الحج / ٧٧.
(٧) سورة البقرة / ١٩٧.