ما إدّعوه ، وذلك أنّه لم يفتتح بلدة قطّ فتركها طرفة عين ولا بعث سريّة فتركها بلا وال يولّيه عليهم ، ولا خرج عن المدينة في وجه من الوجوه إلّا خلّف عليهم من يقوم بشأنهم إشفاقا عليهم وكراهة لتشتّتهم واضطرابهم ، فكيف أجزتم أن تنسبوه إلى تضييع أمر أمّة عند خروجه عن الدّنيا ، وقد كان عرف طمع المنافقين في هذا الأمر ، ووقف على اختلاف كلمتهم ، وكيف يصلحون مهملا وقد كان (صلىاللهعليهوسلم) مواد السّماء تأتيه فإن هفوا (١) تداركهم ، وإن غلطوا ردّهم ، وإن جهلوا علّمهم ، وإن شكّوا وقّفهم ، وإن زلّوا قوّمهم ، (وإن غيّروا وبدّلوا نبّههم) (٢) إبقاء على دهمائهم ، ونظرا لجماعتهم ، وكان (صلىاللهعليهوسلم) ، في رأفته ورحمته ، كما ذكره الله في كتابه حيث قال : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٣).
٢٤٤ ـ فَمِنْ هَاهُنَا قَالَ (صلىاللهعليهوسلم) : اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ أي اختلافهم إليّ رحمة لهم ما دمت حيّا بين ظهرانيهم ليردّوا الأمر إليّ حتّى أقوّم ميلهم ، وأقفهم (٤) على الطّريقة الواضحة.
__________________
(١) من هفا يهفو هفوة ، والهفوة : الزلّة ، الصّحاح للجوهري ، ج ٦ (صلىاللهعليهوسلم) ٢٥٣٥.
(٢) كذا في نسخة «ش» و «ح» وفي ش : غيّر لهم.
(٣) سورة التّوبة : الآية : ١٢٨.
(٤) وفي «ح» : فاقيم. وفي «ش» : وأقف بهم.