النّبيّ (صلىاللهعليهوسلم) له : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) ، أغلظ عليه من كثير ممّا ذكرنا لأنّ النّبيّ لا ينهى عن الخير ، ولو كان حزنه بخير ، وهو مع رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) في الغار لم ينهه ، ولكن لسوء ظنّه بالله وبرسوله ، ولقلّة إحتفاله بما أنبأه (١) به الرّسول ، ولما أدركه من قلّة اليقين ، وضعف القلب قدر أن يكون الرّسول في قبضة المشركين فإنّ الحزن مع رسول الله برىء من الإيمان ، إذ كان داعيا إلى الشّك ، وهذه نقيصة شديدة ، وقد عدّوها فضيلة! ، ولو أمسكوا عن ذكرها لأمسكنا عن شرحها ، والله بالغ أمره.
وأمّا قولكم : إنّه صدّيق ، فإنّا وجدنا هذا الإسم في كتاب الله للمسلمين عامّة ، لم نجد له فيها خاصّة دونهم ، وذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) (٢) وكلّ المسلمين يؤمنون بالله ورسله وهم صدّيقون ، فلم تثبت له بهذا الإسم فضيلة هذا.
وإنّا لمّا فرغنا من قصّة الغار (٣) ، سألونا عن شرح قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) وفي «ش» : أتاه.
(٢) سورة الحديد الآية : ١٩.
(٣) أَقُولُ : فَثَبَتَ أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ وَبَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ لَيْلَةَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحَاوِلُونَ إِيقَاعَ الْمَكْرُوهِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَوَقَاهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِنَفْسِهِ وَتَعَرَّضَ لِلْهَلَاكِ دُونَهُ وَهَذِهِ هِيَ الْمَحَبَّةُ الْبَالِغَةُ وَالنَّصِيحَةُ التَّامَّةُ.
وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَثْبَتُ خَلْقِ اللهِ جَأْشاً عِنْدَ الْفَزَعِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِقَامَةِ بُرْهَانٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللهُ : بَاتَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْلَةٍ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَلَى فِرَاشِهِ لِيُعَمِّيَ عَلَى قُرَيْشٍ وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)