هَكَذَا ، كَتَبْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَقَالا : قَدْ ظَلَمْنَاكَ إِنْ أَقْرَرْنَا أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَاتَلْنَاكَ ، وَلَكِنِ اكْتُبْ : عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَمَحَوْتُ كَمَا مَحَا رَسُولُ اللهِ ، وَكَتَبْتُ كَمَا كَتَبَ رَسُولُ اللهِ ، فَإِنْ أَثْبَتُّ مَا ثَبَّتُونِي ؛
فَقَالُوا : هَذِهِ لَكَ خَرَجْتَ مِنْهَا.
قَالَ : وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنِّي شَكَكْتُ فِي نَفْسِي ، حَيْثُ قُلْتُ لِلْحَكَمَيْنِ : انْظُرَا ، فَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ أَحَقَّ بِهَا مِنِّي ، فَأَثْبِتَاهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَكّاً مِنِّي وَلَكِنَّهُ نَصَفٌ مِنَ الْقَوْلِ ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١) فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَكّاً ، وَقَدْ عَلِمَ اللهُ : أَنَّ نَبِيَّهُ كَانَ عَلَى الْحَقِّ ،
قَالُوا : وَهَذِهِ لَكَ خَرَجْتَ مِنْهَا.
__________________
= قَالَ نَصْرٌ : وَقَدْ رَوَى أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَادَ بِالْكِتَابِ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ إِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ حَضَرَ قِصَّةَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ أَنَا كَتَبْتُهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَالْيَوْمَ أَكْتُبُهُ إِلَى أَبْنَائِهِمْ ، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ كَتَبَهُ إِلَى آبَائِهِمْ شَبَهاً وَمِثْلاً ، فَقَالَ عَمْرٌو : سُبْحَانَ اللهِ ، أَتُشَبِّهُنَا بِالْكُفَّارِ ، وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ! فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَا بْنَ النَّابِغَةِ ، وَمَتَى لَمْ تَكُنْ لِلْكَافِرِينَ وَلِيّاً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَدُوّاً! فَقَامَ عَمْرٌو ، وَقَالَ : وَاللهِ لَا يَجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَجْلِسٌ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَقَالَ عَلِيٌّ : أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَظْهَرَ اللهُ عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ.
(١) سورة السّبإ : الآية : ٢٤.