فَقُلْتُ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ ، فَمَا تَأْمُرُنِي الْآنَ؟ قَالَ : هَذَا وَقْتُ صَبْرٍ حَتَّى يُفَرِّجَ اللهُ ، وَيَأْتِيَ بِمَخْرَجٍ ، فَمَضَى وَمَضَيْتُ ، وَلَقِيَ الْأَشْعَثُ الزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ السَّعْدِيَ (١) ، فَذَكَرَ لَهُ مَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنَ الْكَلَامِ ، فَنَقَلَ الزِّبْرِقَانُ الْكَلَامَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَ (٢) ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّكَ لَتَشَوَّقُ إِلَيْهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ فَقُلْتُ : وَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّشَوُّقِ إِلَى مَا كُنْتُ أَحَقَّ بِهِ مِمَّنْ غَلَبَنِي عَلَيْهِ ، أَمَا وَاللهِ لَتَكُفَّنَّ أَوْ لَأَقُولَنَّ كَلِمَةً بَالِغَةً بِي وَبِكَ مَا بَلَغَتْ ، فَإِنْ شِئْتَ اسْتَدَمْتَ مَا فِيهِ عَفْواً ـ قَالَ : بَلْ أَسْتَدِيمُهُ وَهِيَ صَائِرَةٌ إِلَيْكَ بَعْدَ أَيَّامٍ ، فَمَا ظَنَنْتُ أَنْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ جُمُعَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَرُدَّهَا إِلَيَّ ، فَوَ اللهِ مَا ذَكَرَ لى مِنْهَا حَرْفاً بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَقَدْ مَدَّ فِي أَمَدِهَا (٣) عَاضّاً عَلَى نَوَاجِذِهِ ، حَتَّى كَانَ عِنْدَ إِيَاسِهِ مِنْهَا حِينَ مَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، فَكَانَ مَا رَأَيْتُمَا مِنْهُ ؛
ثُمَّ قَالَ لَنَا : احْفَظَا مَا قُلْتُ لَكُمَا وَلْيَكُنْ مِنْكُمَا بِحَيْثُ أَمَرْتُكُمَا إِذَا شِئْتُمَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ وَفِي حِفْظِهِ.
__________________
(١) هو : الزّبرقان بن بدر بن إمرئ القيس التّميميّ السّعديّ وقيل : اسمه الحصين ، وهو صحابيّ ، توفّي سنة (٤٥) ، وله قصّة مع الحطيئة الشّاعر في هجائه إيّاه واستعدائه إلى عمر ، تجدها في ترجمة بغيض بن عامر بن شمّاس. انظر ترجمة الزّبرقان في الاصابة للعسقلاني ج ١ ، (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ٥٤٣ باب : ب ـ ز. وترجمة الحطيئة ، (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ٣٧٨ ، وترجمة بغيض في (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ١٧٤.
(٢) وفي «ش» : لي.
(٣) وفي «ش» : أمدادها.