مِنْهَا آثِماً ، فَقِيلَ لَهُ (١) تَقَدَّمَكَ ظَالِماً قَدْ عَرَفْنَا ، فَكَيْفَ خَرَجَ إِلَيْكَ مِنْهَا آثِماً؟ قَالَ : إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إِلَيَّ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ يَأْسٍ مِنْهَا ، أَمَ وَاللهِ لَوْ كُنْتَ أَطَعْتَ زَيْدَ بْنَ الْخَطَّابِ مَا تَلَمَّظَ مِنْ حَلَاوَتِهَا بِشَيْءٍ أَبَداً (٢) ، وَلَكِنِّي قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَصَعِدْتُ ، وَصَوَّبْتُ وَنَقَضْتُ وَأَبْرَمْتُ ، فَلَمْ أَجِدْ بُدّاً مِنَ الْإِغْضَاءِ لَهُ عَلَى مَا نَشِبْتُ مِنْهُ فِيهَا ، وَلَمْ تُجِبْنِي نَفْسِي عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّلْتُ (٣) إِنَابَتَهُ وَرُجُوعَهُ فَوَ اللهِ مَا فَعَلَ حَتَّى أَثْغَرَ بِهَا نَفْساً (٤) ؛ فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ : فَمَا مَنَعَكَ مِنْهَا وَقَدْ عَرَضَهَا عَلَيْكَ يَوْمَ السَّقِيفَةِ بِدُعَائِهِ إِيَّاكَ إِلَيْهَا ، ثُمَّ أَنْتَ الْآنَ مُتَعَقِّبٌ بِالتَّأَسُّفِ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ :
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُغِيرَةُ ، إِنِّي كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ دُهَاةِ الْعَرَبِ! ، كَأَنَّكَ كُنْتَ غَائِباً عَمَّا هُنَاكَ ، إِنَّ الرَّجُلَ مَاكَرَنِي فَمَاكَرْتُهُ (٥) فَأَلْفَانِي أَحْذَرَ مِنْ قَطَاةٍ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى شَغَفَ النَّاسِ بِهِ ، وَإِقْبَالَهُمْ بِوُجُوهِهِمْ عَلَيْهِ أَيْقَنَ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِهِ بَدَلاً ، فَأَحَبَّ مَعَ مَا أَرَى مِنْ شُخُوصِ النَّاسِ إِلَيْهِ وَشَغَفِهِمْ بِهِ (٦) أَنْ يَعْلَمَ مَا عِنْدِي ، وَهَلْ تُنَازِعُنِي إِلَيْهَا نَفْسِي بِإِطْمَاعِي فِيهَا وَالتَّعْرِيضِ لِي بِهَا ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنِّي لَوْ قَبِلْتُ مَا عَرَضَ عَلَيَّ لَمْ يُجِبِ النَّاسُ إِلَى ذَلِكَ ، وَكَانَ أَشَدَّ
__________________
(١) وفي «ح» : فقلنا له. والقائل هو المغيرة.
(٢) وفي «ح» : ما تلمّظ منها بشيء من حلاوتها أبدا.
(٣) وفي «ح» : وأقلّت.
(٤) للثغر معان عديدة ، فراجع لسان العرب ج ٤ ، (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ١٠٣ ، لغة ثغر.
(٥) وفي الشّافي : كادني فكدته.
(٦) وفي الشّافي وشرح النّهج : من حرص النّاس عليه وميلهم إليه.