بل كانوا يحترزون عن مجالستهم ، والتكلم معهم ، فضلا عن أخذ الحديث عنهم.
بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشد من تظاهرهم بها للعامة ، فإنهم كانوا يتاقون العامة ، ويجالسونهم ، وينقلون عنهم ، ويظهرون لهم أنهم منهم ، خوفاً من شوكتهم ، لأن حكام الضلال منهم.
وأما هؤلاء المخذولون : فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال ، وخصوصا : الواقفة (١) ، فإن الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم ، والتباعد عنهم ، حتى أنهم كانوا يسمونهم « الممطورة » أي الكلاب التي أصابها المطر.
وأئمتنا عليهمالسلام كانوا ينهون شيعتهم عن مجالستهم ، ومخالطتهم ، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة ، ويقولون : إنهم كفار ، مشركون ، زنادقة ، وأنهم شرّ من النواصب وأن من خالطهم فهو منهم.
وكتب أصحابنا مملوءة بذلك ، كما يظهر لمن تصفح كتاب ( الكشي ) وغيره.
فإذا قبل علماؤنا ـ وسيما المتأخرون منهم ـ رواية رواها رجل من ثقات الإمامية ، عن أحد من هؤلاء ، وعولوا عليها ، وقالوا بصحتها ، مع علمهم بحاله ؛ فقبولهم لها ، وقولهم بصحتها ، لابد من ابتنائه على وجه صحيح ، لا يتطرق به القدح إليهم ، ولا إلى ذلك الرجل ، الثقة ، الراوي عن من هذا حاله.
كأن يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحق وقوله بالوقف.
أو بعد توبته ، ورجوعه إلى الحق.
أو أن النقل إنما وقع من أصله الذي ألّفه ، واشتهر عنه قبل الوقف.
__________________
(١) كذا الصحيح وكان في كتابنا والمصدر : « الواقفية » وهو غلط ، إذ الفعل هو الوقف ، والفاعل : واقف ، وجمعه : الواقفة.