قاضي القضاة ، حسام الدين ، أبو الفضائل ابن قاضي القضاة تاج الدّين أبي المفاخر ، الرازيّ ، ثم الروميّ ، الحنفيّ.
ولد في ثالث عشر المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة بأقصرا ، إحدى مدن الروم ، وولي قضاء ملطية أكثر من عشرين سنة. ثم نزح إلى الشام سنة خمس وسبعين وستمائة خوفا من التتار ، فأقام بدمشق ، ثم ولي قضاءها في سنة سبع وسبعين بعد الصدر سليمان ، وامتدت أيامه إلى أن تسلطن حسام الدين لاجين ، فسار إليه سنة ستّ وتسعين ، فأقبل عليه ، وأحبّ مقامه عنده لمودة بينهما من أيام نيابته على دمشق ، وولاه القضاء بالدّيار المصريّة ، ووليّ ابنه جلال الدين مكانه بدمشق ، وبقي معظّما ، وافر الحرمة ، فلما زالت دولة حسام الدين لاجين قدم القاضي حسام الدين إلى دمشق في ذي الحجّة سنة ثمان وتسعين على مناصبه وقضائه بدمشق وعزل ولده.
وكان مجموع الفضائل ، كثير المكارم ، متوددا إلى النّاس ، له أدب وشعر ، وفيه خير ومروءة وحشمة. حضرت مجلسه فجرى شيء من الكلام ، فرأيته يرجّح طريقة السّلف ويصوبها. ثم إنه خرج في الغزاة وشهد المصاف (١) ، وكان آخر العهد به.
والأصحّ أنّه لم يقتل في المصاف ، وكثرت الأخبار بمروره مع المنهزمين بناحية جبل الجرديين (٢) ، وأنه أسر وبيع للفرنج ، وأدخل إلى قبرس هو وجمال الدين المطروحيّ (٣) الحاجب.
وقيل إنّه تعاطى الطّلب والعلاج ، وأنّه جلس يطبب بقبرس وهو في الأسر ، ولكن لم يثبت ذلك ، فالله أعلم بما صار إليه (٤).
__________________
(١) يريد وقعة غازان التي جرت في سنة ٦٩٩ ه.
(٢) جبل الجرديين : هي أعالي جبال لبنان التي كان يسكنها في ذلك الوقت النصيرية والدروز والطوائف الأخرى من غير السّنة ، واتّهموا بأنهم كانوا متعاونين مع الفرنج ضد المسلمين. (راجع في ذلك كتابنا : تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ ٢ / ٩١ وما بعدها.)
(٣) في المنهل الصافي ٥ / ٦٥ «جمال الدين الطوخي».
(٤) وقال ابن حجر : ثم شاع في سنة ٧٣٥ ه. أن الخبر جاء إلى ولده جلال الدين أن والده