وقرأ القرآن على أبي عبد الله الفاسي. وأخذ العربية عن جمال الدين محمد بن محمد بن عمرون. ودخل الدّيار المصرية لمّا خربت حلب. وقرأ القراءات على الكمال الضريرة وأخذ عن بقايا شيوخها. ثم جلس للإفادة ، وتخرّج به أئمة وفضلاء في الأدب.
وكان من أذكياء بني آدم ، وله خبرة بالمنطق وإقليدس. وهو مشهور بالدّين والصّدق والعدالة ، مع اطّراح التكلف ، وترك التجمل ، وصغر العمامة. وقد رأيته يمشي باللّيل في قصبة القاهرة بقميص وعلى رأسه طاقية فقط. وكان حسن الأخلاق ، محببا إلى تلامذته. فيه ظرف النحاة وانبساطهم. وكان له صورة كبيرة. وكان بعض القضاة إذا انفرد بشهادة حكموه فيها وثوقا بدينه. وكان يتحدث في تعليمه وخطابه بلغة عامّة الحلبيين ، لا يتقعر في عبارته. وكان معروفا بحلّ المشكلات والمعضلات ، واقتنى كتبا نفيسة كثيرة. وأظنه لم يتزوج قطّ.
قال علم الدّين البرزاليّ : كان له أوراد من العبادة ، وله تصدير بمصر والقاهرة.
قلت : قرأت عليه «جزء بيبى» وتوفي في سابع جمادى الأولى ، وشيّعه الخلق إلى القرافة الصغرى ، ودفن عند والدته ، وصلّوا عليه بدمشق صلاة الغائب. وقال الحافظ عبد الكريم في «تاريخه» : كان شيخ النحاة في وقته ، وله مشاركة في العلوم.
وكان كثير التلاوة للقرآن ، كثير الذكر والصلاة. ثقة ، حجة ، دينا ، صالحا ، سريع الدّمعة ، متوددا ، يسعى في مصالح النّاس. صحبته مدّة ، وعرضت عليه «ألفية ابن مالك». وسمعت عليه «ديوان المتنبي» ، بسماعه من الشرف الإربليّ ، عن الكنديّ.
٥٤٠ ـ محمد بن إبراهيم (١) بن محمد بن عبد الغنيّ.
__________________
(١) انظر عن (محمد بن إبراهيم) في : معجم شيوخ الذهبي ٤٥٥ رقم ٦٦٢ ، وذيل مرآة الزمان ٤ / ورقة ٢٩٦ ـ ٢٩٩.