طالت حياته لأخذ العراق وغيرها. فإنّه كان بطلا شجاعا ، مقداما ، مهيبا ، عالي الهمّة يملأ العين ، ويرجف القلب. رأيته مرّات ، وكان ضخما ، سمينا ، كبير الوجه ، بديع الجمال ، مستدير اللحية ، على صورته رونق الحسن وهيبة السلطنة.
وكان إلى جوده وبذله للأموال في أعراضه المنتهى. وكان مخوف السّطوة ، شديد الوطأة ، قوي البطش ، تخافه الملوك في أمصارها والوحوش العادية في آجامها. أباد جماعة من كبار الدّولة. وكان منهمكا على اللّذات لا يعبأ بالتّحرّز على نفسه لفط شجاعته ، وما أحسبه بلغ ثلاثين سنة. ولعلّ الله عزوجل قد عفا عنه وأوجب له الجنة على كثرة ما فرط في جنب الله ، نسأل الله العفو والعافية.
ولمّا كان في ثالث المحرم توجه من القاهرة هو ووزيره الصّاحب الكبير شمس الدّين وأمراء دولته. فلما وصل إلى الطّرانة فارقه الوزير إلى الإسكندرية فقدمها وعسف وصادر ، ونزل السّلطان بأرض الحمّامات للصيد ، وأقام إلى يوم السبت ثاني عشر المحرّم ، فلما كان وقت العصر وهو بتروجة حضر نائب السّلطنة بيدارا ، وجماعة أمراء ، وقد كان السلطان أمره بكرة أن يمضي بالدهليز ويتقدّم ، وبقي هو يتصيّد ، وليعود إلى الدهليز عشية ، فأحاطوا به وليس معه إلا شهاب الدّين ابن الأشلّ أمير شكار ، فابتدره بيدرا فضربه بالسّيف قطع يده ، وضربه حسام الدّين لاجين على كتفه حلّها ، وصاح : «من يريد الملك هذه تكون ضربته» ، يشير إلى بيدرا ، فسقط السلطان ولم يكن معه سيف فيما قيل : بل كان في وسطه بند مشدود. ثم جاء سيف الدين بهادر رأس التوبة فأدخل السيف من أسفله فشقّه إلى حلقه. وتركوه طريحا في البرية ، والتفوا على بيدرا وحلفوا له. وساق تحت العصائب يطلب القاهرة ، وتسمّى فيما قيل بالملك الأوحد. وبات تلك الليلة وأصبح يسير ، فلما ارتفع النّهار إذا بطلب كبير قد أقبل ، يقدمه الأميران : زين الدّين كتبغا وحسام الدّين أستاذ يطلبون بيدرا بدم أستاذهم ، وذلك بالطّرانة ، فحملوا عليه ، فتفرق عنه