سنة أربع وثمانين وستمائة
[فتح حصن المرقب]
في أوّلها خرج الملك المنصور إلى الشّام ، ثمّ قصد حصار المرقب في صفر ، وتقدّمت المجانيق ، ونازل الحصن في عاشر صفر ، فلمّا انتهت ستارة المنجنيق المقابل لباب الحصن سقطت إلى بركة كبيرة كان عليها جماعة من أصحاب علم الدّين الدّواداريّ ، منهم أستاذ داره ، فاستشهدوا ، ثمّ طلب الإسبتار الصّلح ، فلم يجبهم السّلطان ، ورماهم بالمنجنيق ، وهدم بعض الأبرجة ، واستمرّ الحصار إلى سادس عشر ربيع الأول ، فزحف الجيش على المرقب ، فأذعنوا بتسليمه ، وراسلوا بذلك ، فأجيبوا ، ثمّ رفعت عليه أعلام السّلطان يوم الجمعة ثامن عشر الشّهر. وجهّز السّلطان معهم من وصّلهم إلى أنطرطوس. وكانت مرقية بالقرب من المرقب على البحر ، وكان صاحبها قد بنى على البحر برجا عظيما لا يناله النّشّاب ، فاتّفق حضور رسل صاحب طرابلس يطلب رضى السّلطان ، فاقترح عليه خراب البرج المذكور وإحضار من أسره من الجبليّين الّذين كانوا مع صاحب جبيل ، فأحضر من كان حيّا منهم ، واعتذر عن البرج فإنّه ليس له. فلم يقبل عذره ، فقيل إنّه اشتراه من صاحبه بمال وعدّة قرى وهدمه ، وحصل للاستيلاء على المرقب ومرقية وبانياس ، وعمّروا ما تشعّث من المرقب ، وكان لبيت الإسبتار ، ولم يتهيّأ للسّلطان صلاح الدّين فتحه.
وممّن شهد فتحه القاضي نجم الدّين ابن الشّيخ ، وأخوه العزّ ، وشيخنا العزّ ابن العماد ، وشمس الدّين ابن الكمال ، وابنه ، وشمس الدّين ابن حمزة.
وبلغني أنّ صلاح الدّين وقف عليهم جمّاعيل على أن يشهدوا الغزاة مع المسلمين ، فلذلك يخرجون في مثل هذه الغزوات (١).
_________________
(١) خبر (فتح المرقب) في : تشريف الأيام والعصور ١٧٧ ـ ٨٦ ، والمقتفي للبرزالي ١ / ورقة