رحمته كلّ شيء ، وحقّ لها إذا وسعت. وسعت الى طاعته السّماوات والأرض حين قال (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) (١) فأطاعت وسمعت.
احمده لصفات بهرت ، واشكره على نعم ظهرت ، واشهد ان لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، شهادة عن اليقين صدرت ، واشهد انّ محمدا عبده ورسوله ، بعثه والفتنة قد احتدّت ، والحاجة قد اشتدّت ، ويد الضّلال قد امتدّت ، وظلمات الظّلم قد اسودّت ، والجاهليّة قد أخذت نهايتها ، وبلغت غايتها ، فجاء بمحمد صلى الله عليه [وسلم] ، فملك عنانها ، وكبت أعيانها ، وظهرت آياته في الجبابرة ، فهلكت فرسانها ، وفي القياصرة فنكّست صلبانها ، وفي الأكاسرة فصدّعت إيوانها ، وأوضح على يده المحجّة وأبانها ، صلّى الله عليه وعلى آله فروع الأصل الطّيّب ، فما أثبتها شجرة وأكرم أغصانها.
ايها النّاس خافوا الله تأمنوا في ضمان وعده الوفىّ ، ولا تخافوا الخلق وإن كثروا ، فإنّ الخوف منهم شرك خفىّ ، الا وإنّ من خاف الله. خاف منه كلّ شيء ، ومن لم يخف الله خاف من كلّ شيء. وإنّما يخاف عزّ الربوبيّة من عرف من نفسه ذلّ العبوديّة ، والاثنان لا يجتمعان في القلب ، ولا تنعقد عليهما النّيّة. فاختاروا لأنفسكم ، إمّا الله تعالى ، وإمّا هذه الدّنيا الدّنيّة ، فمن كانت الدّنيا أكبر همّه لم يزل مهموما ، ومن كان زهرتها نصب عينه. لم يزل مهزوما ، ومن كانت جدّتها غاية وجده لم يزل معدما حتّى يصير معدوما. فالله الله عباد الله ، الاعتبار الاعتبار ، فأنتم السّعداء إذا وعظتم بالأغيار ، أصلحوا ما فسد ، فإنّ الفساد مقدّمة الدّمار ، واسلكوا الجدّ تنجوا في الدّنيا من العار ، وفي الآخرة من النّار ، واتّفوا الله ، وأصلحوا تفلحوا ، وسلّموا تسلموا ، وعلى التّوبة صمّموا واعزموا ، فما أشقى من عقد التّوبة بعد هذه العبر ثمّ حلّها ، الا وإنّ ذنبا بعد التّوبة أقبح من سبعين قبلها».
توفّى ابن المنيّر في مستهلّ ربيع الأوّل بالثّغر.
_________________
(١) قرآن كريم ، سورة فصّلت ، الآية ١١.