وكانت له حلقة كبيرة ، تخرّج به جماعة في القرآن والخير والفقر والتّصوّف والسّنّة.
قرأت بخطّ السّيف ابن المجد قال : كنت ببغداد وقد بنى الخليفة المستنصر مسجدا كبيرا وزخرفه واعتنى به ، وجعل به من يتلقّن ويسمع الحديث ، فامتدّت الأعناق إليه ، فاستدعى الوزير ابن النّاقد جماعة من القرّاء ، وكان هناك بعض الحنابلة ، فقال : تنقل عن مذهبك وتكون إماما ، فأجاب. وأمّا صاحبنا عبد الصّمد بن أحمد فقال له ذلك ، فقال : لا أنتقل عن مذهبي. فقيل : أليس مذهب الشّافعيّ حسنا؟ فقال : بلى ، ولكنّ مذهبي ما علمت به عيبا لأتركه لأجله. فبلغ الخليفة ذلك ، فاستحسن قوله وقال : هو يكون إمامه دونهم (١).
وعرضت عليه العدالة ، والنّاس هناك يتنافسون فيها جدّا ، فأباها.
قلت : وحدّثني المقصّاتيّ أنّ الشّيخ عبد الصّمد حدّثه أنّه باع مقيارا بسبعة دنانير ، وأعطاها لشيخه الفخر الموصليّ حتّى طوّل روحه ، وأسمعه كتابا في القراءات لمكيّ «التّبصرة» أو غيره.
وحدّثني أنّه قال : عرضت «الشّاطبيّة» على القرطبيّ ، ثمّ قلعت فرجيّة عليّ ، ووضعتها على أكتافه ، فنظر فيها وقال : هذه لي أنا؟ فقلت : نعم.
وحدّثني أنّ الشّيخ عبد الصّمد قال : اعمل لي مقصّا. فعملته وأتيت به ، فما أخذه حتّى أعطاني ثمنه وأكثر من ثمنه.
قرأت على إبراهيم بن أحمد الزّاهد : أنا عبد الصّمد ، أنا عبد العزيز بن النّاقد ، أنا محمد بن عمر ، أنا جابر بن ياسين ، أنا عمر بن إبراهيم ، ثنا
__________________
(١) وقال صاحب «الحوادث الجامعة» : وكان زاهدا ورعا ، يقرئ الأيتام بمسجد قمرية ويصلّي إماما به من حيث فتح ، ثم نقل إلى مشيخة رباط دار سوسبان ، وجعل ولده الأكبر أحمد نائبا عنه في مسجد قمرية ، وبعد واقعة بغداد رتّب خازنا بالديوان ، ثم أعيد إلى مسجد قمرية على قاعدته الأولى ، وأضيف إليه الخطابة بجامع الخليفة.