تفاوت بينهم (١).
وهذا التصوّر المذكور يمكن تثبيت جملة من الملاحظات عليه :
أوّلاً : انّ التفكيك بين المرحلتين الأوليين ، وإنّ الأُولى منهما كانت في عصر النبيّ ، وظهرت بوادر المرحلة الثانية بعد رحلة النبيّ ، قد نقضه نفس الكاتب في كلامه حيث قال : كان روّاد التشيّع الروحي يلتزمون بآراء عليّ الفقهية إلى جانب الالتزام بإسناده سياسياً (٢).
وثانياً : إنّ ما ذكره من النصوص في مجال التشيّع الروحي كما يدلّ على أنّ عليّاً هو القائد الروحي ، فإنّه يدلّ بوضوح على أنّه القائد السياسي ، وقد نقل الكاتب جلّ النصوص الواردة في هذا المبنى ، فمعنى التفكيك بينهما هو أنّ الصحابة الواعين أخذوا ببعض مضامينها وتركوا بعضها ، ولو صحّ إسناد ذلك إلى بعض الصحابة فلا يصح إسناده إلى سلمان ، وأبي ذر ، وعمّار ، الذين لا يتركون الحق وإن بلغ الأمر ما بلغ.
وبما أنّ النبيّ كان هو القائد المحنَّك للمسلمين ، فإنّه لم تكن هناك حاجة لظهور التشيّع السياسي في حياته ، بل كان المجال واسعاً لظهور التشيّع الروحي ورجوع الناس إلى عليّ في القضايا والأحكام الفقهية ، وهذا لا يعني عدم كونه قائداً سياسياً وإنّ وصايا النبيّ لم تكن هادفة إلى ذلك الجانب.
وثالثاً : إنّ التشيّع السياسي ظهر في أيّام السقيفة في ظل الاعتراف بإمامته الروحية ؛ فإنّ الطبري وغيره وإن لم يذكروا مصدر رجوع الزبير والعباس إلى عليّ ، ولكن هناك نصوص عن طرق الشيعة وردت في احتجاج جماعة من الصحابة على أبي بكر مستندين إلى النصوص الدينية.
فقد روى الصدوق عن زيد بن وهب أنّه قال : كان الذين أنكروا على أبي بكر
__________________
(١) تاريخ الإمامية : ٣٨ ـ ٤٧.
(٢) تاريخ الإمامية : ٤٥.