ما نقله عنه سيف بن عمر فليس منه أثر في تلك الروايات ، فأدنى ما يمكن التصديق به أنّ الرجل ظهر غالياً فقتل أو أُحرق ، والقول بذلك لا يضرّ بشيء ، وأمّا ما ذكره الطبري عن الطريق المتقدّم فلا يليق أن يؤمن ويعتقد به من يملك أدنى إلمام بالتاريخ والسير.
وأخيراً فقد تبين وبدون شك بطلان وفساد هذه النظرية المختلقة حول نشأة التشيّع ، والتي لم تصمد أمام النقد والتمحيص ، بل وتحمل بذور سقوطها في ذاتها ، وفي ذلك الدليل البيّن على أصالة مذهب التشيع والذي أسلفنا القول بأصالة نشأته ، وأنّه وليد العقيدة الإسلامية الأصيلة وامتدادها الحقيقي ، وأمّا ما قام به ابن سبأ ـ على فرض صحّة وقوعه ـ فإنّه يعبّر عن موقف فردي وتصرّف شخصي خارج عن إطار المذهب ، ومن تبعه فقد أدخل نفسه دار البوار ، وأين هذا الأفّاك وزمرته من أُولئك الذين لا يخالفون الله ورسوله وأُولي الأمر ولا يتخلّفون عن أوامرهم قيد أُنملة ، كالمقداد وسلمان وحجر بن عدي ورشيد الهجري ومالك الأشتر وصعصعة وأخيه وعمرو بن الحمق ، ممّن يُستدرّ بهم الغمام وتنزل بهم البركات.
إلى هنا تمّ تحليل النظرية الثانية في تكوّن الشيعة فلننتقل إلى مناقشة النظرية الثالثة.
الفرضيّة الثالثة : التشيّع فارسيّ المبدأ أو الصبغة
وهناك فرضية ثالثة اخترعها المستشرقون لتكوّن مذهب الشيعة في المجتمع الإسلامي ، وهذه الفرضية كسابقتيها تعتمد اعتبار حداثة هذا المذهب قصداً أم جهلاً ، فقادها هذا التصوّر الخاطئ إلى اعتماد نظرية تقول بفارسيّة المبدأ أو الصبغة لمذهب التشيّع ، وهذا الترديد بين الأمرين مرجعه رأيان لأصحاب هذه النظرية في المقام :