الأُمور الجديدة بنفوس جديدة ، فيها الطمع ، وفيها الطموح ، وفيها الأثرة ، وفيها الأمل البعيد ، وفيها الهَمّ الذي لا يعرف حدّاً يقف عنده ، وفيها من أجل هذا كلّه التنافس والتزاحم لا على المناصب وحدها بل عليها وعلى كل شيء من حولها ، وهذه الأُمور الجديدة نفسها كانت خليقة أن تدفع الشيوخ والشباب إلى ما دفعوا إليه ، فهذه أقطار واسعة من الأرض تفتح عليهم ، وهذه الأموال لا تحصى تجبى لهم من هذه الأقطار ، فأيّ غرابة في أن يتنافسوا في إدارة هذه الأقطار المفتوحة ، والانتفاع بهذه الأموال المجموعة؟ وهذه بلاد أُخرى لم تفتح ، وكلّ شيء يدعوهم إلى أن يفتحوها كما فتحوا غيرها ، فما لهم لا يستبقون إلى الفتح؟ وما لهم لا يتنافسون فيما يكسبه الفاتحون من المجد والغنيمة إن كانوا من طلّاب الدنيا ، ومن الأجر والمثوبة إن كانوا من طلّاب الآخرة؟ ثمّ ما لهم جميعاً لا يختلفون في سياسة هذا المُلك الضخم وهذا الثراء العريض؟ وأيّ غرابة في أن يندفع الطامحون الطامعون من شباب قريش من خلال هذه الأبواب التي فتحت لهم ليلجوا منها إلى المجد والسلطان والثراء؟ وأيّ غرابة في أن يهمّ بمنافستهم في ذلك شباب الأنصار وشباب الأحياء الأُخرى من العرب؟ وفي أن تمتلئ قلوبهم موجدة وحفيظة وغيظاً إذا رأوا الخليفة يحول بينهم وبين هذه المنافسة ، ويؤثر قريشاً بعظائم الأُمور ، ويؤثر بني أُميّة بأعظم هذه العظائم من الأُمور خطراً وأجلّها شأناً؟
والشيء الذي ليس فيه شكّ هو أنّ عثمان قد ولّى الوليد وسعيداً على الكوفة بعد أن عزل سعداً ، وولّى عبد الله بن عامر على البصرة بعد أن عزل أبا موسى ، وجمع الشام كلّها لمعاوية ، وبسط سلطانه عليها إلى أبعد حدّ ممكن بعد أن كانت الشام ولايات تشارك في إدارتها قريش وغيرها من أحياء العرب ، وولّي عبد الله ابن أبي سرح مصر بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص ، وكلّ هؤلاء الولاة من ذوي قرابة عثمان ، منهم أخوه لأُمّه ، ومنهم أخوه في الرضاعة ، ومنهم خاله ، ومنهم