رأيت نوراً منعني من رؤيته ، لا أنّه تعالى نور ، وأنّه لذلك لا يُرى ، وهذا يتلاقى ويتّفق مع قوله : «حجابه نور» ولذلك جعلنا أحاديث النور شاهداً واحداً في موضوعنا ، وهي تدلّ على عدم رؤية ذات الله عزوجل وامتناعها (١).
السادس : إنّ القائلين بالرؤية على فرقتين : فرقة تعتمد على الأدلّة العقلية دون السمعية ، وفرقة أُخرى على العكس.
فمن الأُولى سيف الدين الآمدي (٥٥١ ـ ٦٣١ ه) يقول : لسنا نعتمد في هذه المسألة على غير المسلك العقلي ؛ إذ ما سواه لا يخرج عن الظواهر السمعيّة ؛ وهي ممّا يتقاصر عن إفادة القطع واليقين ، فلا يذكر إلّا على سبيل التقريب (٢).
ومن الثانية الرازي في غير واحد من كتبه فقال : إنّ العمدة في جواز الرؤية ووقوعها هو السمع ، وعليه الشهرستاني في نهاية الاقدام (٣).
والحقّ أنّ من حاول إثبات الرؤية بالدليل العقلي فقد حرم عن نيل مرامه ؛ فإنّ الأدلّة العقلية التي أقامتها الأشاعرة في غاية الوهن ؛ فإنّهم استدلّوا على الجواز بوجهين : أحدهما يرجع إلى الجانب السلبي ، وأنّه لا يترتّب على القول بالرؤية شيء محال ، والآخر يرجع إلى الجانب الإيجابي وهو أنّ مصحّح الرؤية في الأشياء هو الوجود ، وهو مشترك بين الخالق والمخلوق (٤).
أظنّ أنّ كلّ من له أدنى معرفة بالمسائل العقلية يدرك ضعف الاستدلال ؛ إذ كيف لا يترتّب على الرؤية بالعين تشبيه وتجسيم ، مع أنّ الرؤية بالمعنى الحقيقي لا تنفكّ عن الجهة للمرئي ، مضافاً إلى أنّ واقع الرؤية عبارة عن انعكاس الأشعة
__________________
(١) تفسير المنار ٩ : ١٩٠.
(٢) الآمدي ، غاية المرام في علم الكلام : ١٧٤.
(٣) الرازي ، معالم الدين : ٦٧ ؛ والأربعون : ١٩٨ ؛ والمحصل : ١٣٨ ؛ الشهرستاني ، نهاية الاقدام : ٣٦٩.
(٤) الإمام الأشعري ، اللمع : ٦١ ـ ٦٢.