وأمّا ما يمكن الاعتقاد به من بقايا آثار الرسالات السابقة ، فلا تعدو كونها ذبالات محتضرة لم تستطع الصمود أمام تيارات التزييف والكذب والخداع التي مسخت صورتها إلى أبعد الحدود.
نعم بُعث محمّد صلىاللهعليهوآله إلى قوم خير تعبير عنهم قول جعفر بن أبي طالب للنجاشي : أيها الملك كنّا أهل جاهلية ؛ نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القويّ منا الضعيف.
هذا في الوقت الذي كانت فيه مراكز القوى تلك تتضخّم وتتعاظم على حساب ضياع البشرية وموت مبادئها.
وهكذا فقد كانت الدعوة الإسلامية الفتيّة وصاحبها صلىاللهعليهوآله في مواجهة هذه المراكز بامتداداتها الرهيبة وقدراتها العظيمة ، والتي كوّنت أعنف مواجهة شرسة وقتالاً ليس له مثيل صبغ أرض الجزيرة ورمالها الصفراء بلون أحمر قانٍ لسنوات لم يعرف فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله وخيرة أصحابه للراحة طعماً وللسكون مسكناً.
إنّ تلك الحصون المليئة بالشرّ والخراب لم تتهاوَ إلّا بعد جهد جهيد وسيل جارف من الدماء الطاهرة التي لا توزن بها الجبال ، من رجال وقفوا أنفسهم وأرواحهم من أجل هذا الدين وصاحبه صلىاللهعليهوآله.
فاستطاع رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يقيم حكومة الله تعالى في الأرض ، وأن يثبت فيها الأركان على أساس الواقع والوجود ، فلم تجد آنذاك كلّ قوى الشرّ بدّاً من الاختباء في زوايا العتمة والظلام تتحيّن الفرص السانحة والظروف الملائمة للانقضاض على هذا البنيان الذي بدا يزداد شموخاً وعلوّاً مع تقادم السنين.
لقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يدرك عياناً أنّ نقطة ضعف هذه الأُمّة يكمن في تفرّقها وفي تبعثر جهودها ممّا سيمكّن من ظهور منافذ مشرعة في هذا البنيان الكبير لا تتردّد أركان الكفر وأعداء الدين المتلوّنون والمتستّرون من النفوذ خلالها