أما آنَ للواعين من الأُمّة أن يُنزّهوا كتبهم من هذه الخرافات حتّى لا يتّخذها المادّي الغاشم ذريعة للسخرية والتهكّم على الدين وأهله.
* * *
الرابع : أنّ المثبتين للرؤية يركّزون على الروايات المثبتة حسب ادّعائهم ، ولكنّهم لا يركّزون على الروايات النافية ؛ فإنّ هذه الروايات من غير فرق بين المثبتة والنافية وإن كانت روايات آحاد لا تفيد علماً في مجال العقائد ، ولكن مقتضى الانصاف الاستدلال بالرواية المخالفة أيضاً ، وإليك بعض ما ورد في هذا المضمار :
١ ـ روى البخاري في تفسير قوله : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) عن عبد الله بن قيس أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «جنّتان من فضّة آنيتهما ، وجنّتان من ذهب آنيتهما وما فيها ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلّا رداء الكبرياء على وجهه في جنّة عدن» (١).
٢ ـ روى مسلم عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوآله : هل رأيت ربّك؟ قال : «نور أنا أراه؟» (٢).
ودلالة الحديث على إنكار الرؤية واضحة ، فإنّ الرسول ينكر الرؤية بأنّه سبحانه ليس نوراً حتى أراه.
نعم ، رواه مسلم بصورة أُخرى أيضاً ، روى عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله لسألته ، فقال : عن أيّ شيء كنت تسأله؟ قال : كنتُ أسأله هل رأيت ربّك؟ قال أبو ذر : قد سألت فقال : «رأيتُ نوراً» (٣).
ولعلّ المراد ما رأيت سبحانه وإنّما رأيت حجابه كما في الحديث التالي :
__________________
(١) البخاري ، الصحيح ٦ : ١٤٥ تفسير سورة الرحمن ، الآية ٦٢.
(٢) و (٣) مسلم ، الصحيح ١ : ١١١ كتاب الإيمان.