وقال أبو بكر المروزي : من زعم أنّ الله لا يُرى في الآخرة فقد كفر ، وقال : من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي ، والجهمي كافر ، وقال إبراهيم بن زياد الصائغ : سمعت أحمد بن حنبل يقول : الرؤيةُ من كذب بها فهو زنديق ، وقال : من زعم أنّ الله لا يُرى فقد كفر بالله ، وكذّب بالقرآن ، وردّ على الله أمره ، يستتاب فإن تاب وإلّا قُتل ...
تحليل هذه الفتيا :
١ ـ إنّ هذه الفتوى لا تصدر عمّن يجمع بين الرواية والدراية ، وإنّما متفرّعة على القول بأنّ الله مستقرّ على عرشه فوق السماوات ، وأنّه ينزل في آخر كلّ ليلة نزول الخطيب من درجات منبره (١) ، وأنّ العرش تحته سبحانه يَئِطّ أَطيط الرحل تحت الراكب (٢) ، ويفتخر بتلك العقيدة ابن زفيل في قصيدته النونية ويقول :
بل عطّلوا منه السماوات العُلى |
|
والعرشُ أخلَوهُ من الرحمنِ (٣) |
ومثل تلك العقيدة تنتج أنّ الله تعالى يُرى كالبدر يوم القيامة ، والرؤية لا تنفكّ عن الجهة والمكان ، تعالى عن ذلك كلّه.
٢ ـ إنّ النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله كان يقبل إسلام من شهد بوحدانيّته سبحانه ورسالة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولم يُرَ أنّ النبيّ الأكرم يأخذ الإقرار بما وراء ذلك ، مثل رؤية الله وما شابهه ، وهذا هو البخاري يروي في صحيحه : أنّ الإسلام بني على خمس ، وليس فيه شيء من الإقرار بالرؤية ، وهل النبيّ ترك ما هو مقوّم الإيمان والإسلام؟!
__________________
(١) نقله وسمعه السياح الطائر الصيت ابن بطوطة عن ابن تيمية. لاحظ رحلته : ص ١١٣ ط دار الكتب العلمية.
(٢) أحمد بن حنبل ، السنّة : ص ٨٠.
(٣) من قصيدة ابن زفيل النونية ، والمراد منه هو ابن قيم الجوزية ، لاحظ السيف الصقيل للسبكي