خروره صعقاً وإفاقته وإنابته ، ثمّ إنّه بعد ما سار بقومه إلى الميقات سأله قومه أن يُرِي الله لهم جهرة ، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون.
الثانية : عكس الصورة الأُولى ؛ بأن يسير موسى بقومه إلى الميقات ثمّ يسألونه رؤية الله جهرة فيحدث ما حدث ثمّ هو في يوم آخر أو بعد تلك الواقعة يسأل الرؤية لنفسه فيُخاطب بقوله : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) (١).
إنّ العقل يحكم بامتناع كلتا الصورتين عادة حسب الموازين العادية.
أمّا الأُولى ، فلو كان موسى متقدّماً في السؤال وسمع من الله ما خاطبه به بقوله (لَنْ تَرانِي) كان عليه أن يذكّر قومه بعواقبِ السؤال ، وأنّه سألها ربّه ففوجئ بالغشيان ، مع أنّه لم يذكرهم بشيء مما جرى عليه حين طلبهم ، ولو ذكّرهم لما سكت عنه الوحي.
أمّا الثانية : فهو كذلك ؛ لأنّه لو كان قد تقدّم سؤال قومه الرؤية وقد شاهد موسى ما شاهد حيث اعتبر عملهم سفهياً فلا يصحّ في منطق العقل أن يطلب الكليم ذلك لنفسه بعد ذلك مستقلاً.
وكل ذلك يؤكد عدم وجود ميقاتين ولا لقاءين ولا سؤالين مستقلّين ، وإنّما كان هناك ميقات واحد ولقاء واحد وسؤالان بينهما ترتّب وصلة ، والدافع إلى السؤال الثاني هو نفس الدافع إلى السؤال الأوّل ، وعندئذٍ لا يدلّ سؤال موسى الرؤية على كونها أمراً ممكناً لاندفاعه إلى السؤال من قبل قومه.
وتوضيح ذلك : أنّ الكليم لمّا أخبر قومه بأنّ الله كلّمه وقرّبه وناجاه ، قال قومه : لن نؤمن بك حتى نسمع كلامه كما سمعتَ ، فاختار منهم سبعين رجلاً لميقاته وسأله سبحانه أن يكلِّمه ، فلمّا كلّمه الله وسمع القوم كلامه قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) فعند ذلك أخذتهم الصاعقة بظلمهم ، وإلى هذه الواقعة تشير
__________________
(١) الأعراف : ١٤٣.