نذكر أمرين ثمّ نعرض المناقشة عليهما :
١ ـ إنّ المراد من التأبيد ليس كونُ المنفي ممتنعاً بالذات ، بل كونه غير واقع ، وكم فرق بين نفي الوقوع ونفي الإمكان ، نعم ربّما يكون عدم الوقوع مستنداً إلى الاستحالة الذاتية.
٢ ـ إنّ المراد من التأبيد هو النفي القاطع ، وهذا قد يكون غير محدّد بشيء وربّما يكون محدّداً بظرفٍ خاص ، فيكون معنى التأبيد بقاء النفي بحاله ما دام الظرف باقياً.
إذا عرفت الأمرين تقف على وهن ما نقله الرازي عن الواحدي من أنّه قال : ما نُقل عن أهل اللغة أنّ كلمة «لن» للتأبيد دعوى باطلة ، والدليل على فساده قوله تعالى في حقّ اليهود : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (١) قال : وذلك لأنّهم يتمنّون الموت يوم القيامة بعد دخولهم النار ، قال سبحانه : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) (٢) فإنّ المراد من (لِيَقْضِ عَلَيْنا) هو القضاء بالموت (٣).
ووجه الضعف ما عرفت من أنّ التأبيد على قسمين : غير محدّد ، ومحدّد بإطار خاصّ ، ومن المعلوم أنّ قوله سبحانه : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) ناظر إلى التأبيد في الإطار الّذي اتّخذه المتكلّم ظرفاً لكلامه وهو الحياة الدنيا ، فالمجرمون ما داموا في الحياة الدنيا لا يتمنّون الموت أبداً ، لعلمهم بأنّ الله سبحانه بعد موتهم يُقدّمهم للحساب والجزاء ، ولأجل ذلك لا يتمنّونه أبداً قطّ.
وأمّا تمنّيهم الموت بعد ورودهم العذاب الأليم فليس داخلاً في مفهوم الآية
__________________
(١) البقرة : ٩٥.
(٢) الزخرف : ٧٧.
(٣) الرازي ، مفاتيح الغيب ١٤ : ٢٢٧.