فلمّا سألوه الرؤية على طريق ترك الإيمان بموسى عليهالسلام حتّى يريهم الله من غير أن تكون الرؤية مستحيلة عليه ، كما استعظم الله سؤال أهل الكتاب أنْ ينزّل عليهم كتاباً من السماء من غير أنْ يكون ذلك مستحيلاً ، ولكن لأنّهم أبوا أنْ يؤمنوا بنبيّ الله حتّى يُنزّل عليهم من السماء كتاباً» (١).
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ ما ذكره من أنّ الاستعظام لأجل كون طلبهم كان عن عنادٍ وتعنّتٍ لا لطلب معجزة زائدة ، لو صحّ فإنّما يصحّ في غير هذه الآيات ، أعني في قوله سبحانه : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٢) ، لا فيما تلوناه من الآيات ، فإنّ الظاهر منها أنّ الاستعظام والاستفظاع راجعان إلى نفس السؤال بشهادة قوله : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (٣) ، والذي يوضح ذلك أنّ التوبيخ والتنديد راجعان إلى نفس السؤال ـ مع غضّ النظر عن سبب السؤال ، وهل هو لغاية زيادة العلم أو للعتوّ؟ ـ أُمور :
١ ـ أنّه سبحانه سمّى سؤالهم ظلماً وتعدّياً عن الحدّ.
٢ ـ أنّ موسى سمّى سؤالَهم سؤالاً سفهيّاً.
٣ ـ عند ما طلب موسى الرؤية أُجيب بالخيبة والحرمان ، ولم يكن سؤاله عن عناد واستكبار ، ولو كانت الخيبة مختصّة بالدنيا ، كان عليه سبحانه الرجوع إليه بالعطف والحنان بأنّها غير ممكنة في هذه الدار وسوف تراني في الآخرة.
وثانياً : أنّه سبحانه وإنْ جمع في آية سورة النساء (٤) ، بين نزول الكتاب من
__________________
(١) الابانة عن أُصول الديانة : ص ١٥ ط. دار الطباعة المنيرية ، القاهرة.
(٢) الفرقان : ٢١.
(٣) النساء : ١٥٣.
(٤) النساء : ١٥٣.