عند سؤالها.
فلو كانت الرؤية أمراً ممكناً ولو في وقتٍ آخر ، لكان عليه سبحانه أن يتلطّف عليهم بأنّكم سترونه في الحياة الآخرة لا في الحياة الدنيا ، ولكنّا نرى أنّه سبحانه يقابلهم بنزول الصاعقة فيقتلهم ثمّ يحييهم بدعاء موسى ، كما أنّ موسى لمّا طلب الرؤية وأُجيب بالمنع تاب إلى الله سبحانه وقال : أنا أوّل المؤمنين بأنّك لا تُرى.
فالإمعان بما ورد فيها من عتاب وتنديد ، بل وإماتة وإنزال عذاب ، يدلّ بوضوح على أنّ الرؤية فوق قابليّة الإنسان ، وطلبه لها أشبه بالتطلّع إلى أمر محال ، فعند ذلك لو قيل للمتدبّر في الآيات إنّه روى قيس بن أبي حازم أنّه حدّثه جرير وقال : خرج علينا رسول الله ليلة البدر فقال : «إنّكم سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته» (١) ، يجد الحديث مناقضاً لما ورد في هذه الآيات ويشكّ أنّه كيف صار الأمر الممتنع أمراً ممكناً ، والإنسان غير المؤهّل للرؤية مؤهّلاً لها.
محاولتان للتخلّص من التضادّ بين الآيات وخبر قيس
إنّ هنا محاولتين للتخلّص من التضادّ الموجود بين الآيات ، وخبر قيس بن أبي حازم الدالّ على وقوع الرؤية في الآخرة :
المحاولة الأُولى :
إنّ تعارض الآيات والرواية من قبيل تعارض المطلق والمقيد ، فلا مانع من الجمع بينهما بحمل الأُولى على الحياة الحاضرة ، والثانية على الحياة الآخرة (٢).
__________________
(١) البخاري ، الصحيح ٤ : ٢٠٠.
(٢) يظهر ذلك الجواب عن أكثر المتأوّلين لآيات النفي حيث يقدّرونها بالدنيا.