بديهة العقل تحكم أنّ الاكتفاء بالسمع في عامّة الأُصول مستلزم للدور ، وتوقّف صحّة الدليل على ثبوت المدّعى وبالعكس.
إنّ رفض العقل في مجال البرهنة على العقيدة ـ من قبل بعض الفرق طبعاً ـ صار سبباً لتغلغل عنصر الخرافة في عقائد كثير من الطوائف الإسلامية ، وفي ظلّ هذا الأصل ؛ أي إبعاد العقل ، دخلت أخبار التجسيم والتشبيه في الصحاح والمسانيد عن طريق الأحبار والرهبان الّذين تظاهروا بالإسلام ، وأبطنوا اليهودية والنصرانية ، وخدعوا عقول المسلمين ، فحشروا عقائدهم الخرافية بين المحدّثين والسُّذَّج من الناس اغتراراً بإسلامهم وصدق لهجتهم.
إنّ من مواهبه سبحانه أنّه أنار مصباح العقل في كلّ قرن وزمان ليكون حصناً أمام نفوذ الخرافات والأوهام ، وليميّز به الإنسان الحقَّ عن الباطل فيما له فيه حقّ القضاء ، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ المرجع الوحيد في العقيدة هو العقل دون الشرع ، وإنّما يهدف إلى أنّ اللبنات الأوّلية لصرح العقيدة الإسلامية تجب أن تكون خاضعة للبرهان ، ولا تناقض حكم العقل.
وعند ما تثبت الأُصول الموضوعية في مجال العقيدة وتثبت في ظلها نبوّة النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله ، يكون كلّ ما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله حجّة في العقائد والأحكام ، لكن بشرط الاطمئنان بصدورها عن النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله.
وقد خرجنا في هذه المقدّمة الموجزة بثلاث نتائج :
الأُولى : أنّ العقيدة الإسلامية عقيدة سهلة يمكن اعتناقها بيُسر دون تكلّف.
الثانية : أنّ المطلوب في العقائد هو الإذعان وعقد القلب ، وهذا لا يحصل إلّا بعد ثبوت المقدّمات المنتهية إليه ، وليس من شأن أخبار الآحاد خلق اليقين والإذعان ما لم يثبت صدورها عن مصدر الوحي على وجه القطع واليقين ، بخلاف الأحكام ؛ فإنّ المطلوب فيها هو العمل تعبّداً.