مرونة أحكامه التي تماشي جميع الأزمنة والحضارات ، وقد تمثّلت هذه المرونة بأُمور :
الأول : كونه جامعاً بين الدعوة إلى المادّة والروح
إذا غالت المسيحية في التوجّه إلى الناحية الروحية ، فدعت إلى الرهبانية والتعزّب ، وغالت اليهودية في الدعوة إلى ملاذّ الحياة والانكباب على المادّة حتّى نسيت كلّ قيمة روحية ، فالإسلام دعا إلى المادّية والمعنوية على وجه يطابق الفطرة الإنسانية ، وجعل الفطرة مقياساً للحلال والحرام ، وشرع للإنسان ما يسعده في الدنيا والآخرة على ما هو مفصّل في محله.
الثاني : النظر إلى المعاني لا إلى الظواهر
الإسلام ينظر إلى المعاني والحقائق لا الظواهر والقشور ، فيأمر بالأخذ باللبّ لا بالقشر ، وهذا هو السرّ في خاتمية الدين الإسلامي وتمشّيه مع تطوّر الحياة ، ولا يتوهّم من ذلك جواز التدخّل في التشريع بحجّة الأخذ باللبّ دون القشر ؛ فإنّ الكبريات الواردة في الكتاب والسنّة كلّها لبّ ، وأمّا القشر فإنّما يرجع إلى التخطيط والتجسيد.
وسيوافيك عند الإجابة على السؤال الخامس أنّ الإسلام دعا الإنسان إلى الملبس والمسكن وإشاعة العلم والتربية ، وهذا هو اللبّ ، وأمّا الأشكال والأنماط لهذا التشريع فمتروك إلى مقتضيات العصور.
إنّ الذي يهتمّ به التشريع كون البيت مُقاماً على أرض غير مغصوبة ومن مال حلال بحيث يتمكّن المسلم من إقامة فرائضه فيه وحفظ كيانه ، وقد أناط شكل البيت وهندسته إلى مقتضيات الظروف والمصالح ؛ وكذا الملابس ووسائل التعليم ابتداءً من الحفر على الصخر والجدران والكتابة على الجلود والقراطيس ، إلى