فمجموع الآيات يركِّز على أمر واحد : غلق باب النبوة وأبدية الشريعة الإسلامية.
هذه هي النصوص ، ومع ذلك ففي القرآن إشارات إلى الخاتمية بعناوين أُخرى نشير إلى بعض منها :
الأُولى : (أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١).
إنّ دلالة قوله سبحانه : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ...) على إيصاد باب الوحي إلى يوم القيامة واضحة بعد الوقوف على معنى الكلمة ؛ فإنّ المراد منها الدعوة الإسلامية ، أو القرآن الكريم وما فيه من شرائع وأحكام ، والشاهد عليها الآية المتقدمة حيث قال سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) (٢) فالمراد من قوله (أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ) هو القرآن النازل على العالمين ، ثمّ يقول : بأنّ الذين آتيناهم الكتاب من قبل كاليهود والنصارى إذا تخلّصوا من الهوى يعلمون أنّ القرآن وحي إلهي كالتوراة والإنجيل ، وأنّه منزّلٌ من الله سبحانه بالحقّ ، فلا يصحّ لأيّ منصف أن يتردّد في كونه نازلاً منه إلى هداية الناس.
ثمّ يقول في الآية التالية : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) بظهور الدعوة المحمدية ، ونزول الكتاب المهيمن على جميع الكتب ، وصارت مستقرة في محلّها بعد ما كانت تسير دهراً طويلاً في مدارج التدرّج بنبوّة بعد نبوّة وشريعة بعد شريعة (٣).
__________________
(١) الأنعام : ١١٤ ـ ١١٥.
(٢) الأنعام : ١١٤.
(٣) الطباطبائي ، الميزان ٧ : ٣٣٨ ؛ الطبرسي ، مجمع البيان ٢ : ٣٥٤.