الأمر الثاني :
إنّ البداء لا يتحقّق فيما يتعلّق بنظام النبوّة والولاية والخاتمية والملاحم الغيبية التي تعدّ شعاراً للشريعة ، فإذا أخبر المسيح بمجيء نبيّ اسمه أحمد ، أو أخبر النبيّ بكونه خاتماً للرسل ، أو أنّ الخلافة بعده لوصيّه ، أو أنّه يخرج من ولده من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ونظير ذلك ، فلا يتحقّق فيه البداء قطعاً ؛ لأنّ احتمال البداء فيه ناقض للحكمة ، وموجب لضلال العباد ، ولو كان احتمال هذا الباب مفتوحاً في تلك المسائل الأُصولية لما وجب لأحد أن يقتفي النبيّ المبشَّر به ، ولا يوالي الوصي المنصوص عليه ، ولا يتلقّى دين الإسلام خاتماً ، ولا ظهور المهدي أمراً مقضيّاً ، بحجّة أنّه يمكن أن يقع فيه البداء. ففتح هذا الباب في المعارف والعقائد والأُصول والسنن الإسلامية مخالف للحكمة وموجب لضلالة الناس ، وهذا ما يستحيل على الله سبحانه ، وإنّما مصبّ البداء هو القضايا الجزئية أو الشخصيّة ، كما هو الحال في الأخبار الماضية.
الأمر الثالث :
أنّ إطلاق البداء في هذه الموارد ، إنّما هو بالمعنى الذي عرفت ، وأنّ حقيقته بداء من الله للناس وإظهار منه ، ولو قيل بدا لله ، فإنّما هو من باب المشاكلة والمجاز ، والقرآن مليء به ، فقد نسب الذكر الحكيم إليه سبحانه المكر وقال : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (١) وليست المناقشة في التعبير من دأب المحقّقين ، فلو كان أهل السنّة لا يروقهم التعبير عن هذا الأصل بلفظ البداء لله ، فليغيّروا التعبير ويعبّروا عن هذه الحقيقة الناصعة بتعبير يرضيهم.
ولكن الشيعة تبعت النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله في هذا المصطلح ، وهو أوّل من استعمل
__________________
(١) آل عمران : ٥٤ ، وهنا آيات أُخر يستدلّ بها على المشاكلة في التعبير عن الحقائق العلوية.