وأمّا العقل فقد دلّ على تنزّهه من وصمة الحدوث والتغيير ، وأنّه تقدّست أسماؤه أعلى من أن يقع معرضاً للحوادث والتغييرات ، ولأجل ذلك ذهبوا إلى امتناع البداء عليه ـ بمعنى الظهور بعد الخفاء والعلم بعد الجهل ـ لاستلزامه كون ذاته محلاًّ للتغيّر والتبدّل ، المستلزم للتركيب والحدوث ، إلى غير ذلك ممّا يستحيل عليه سبحانه.
فالآيات وكذلك الأحاديث المروية عن أئمّة الشيعة عليهمالسلام تشهد على علمه الذي لا يشوبه جهل ، وعلى سعته لكلّ شيء قبل الخلق وبعده ، وأنّه يستحيل عليه الظهور بعد الخفاء ، والعلم بعد الجهل.
وعليه فمن نسب إلى الشيعة الإمامية ما يستشمّ منه خلاف ما دلّت عليه الآيات والأحاديث فقد افترى كذباً ينشأ من الجهل بعقائد الشيعة ، أو التزلّف إلى حكّام العصر الحاقدين عليهم أو التعصّب المقيت.
وبذلك يعلم بطلان ما قاله الرازي في تفسيره عند البحث عن آية المحو والإثبات ، حيث يقول : قالت الرافضة : البداء جائز على الله تعالى ، وهو أن يعتقد شيئاً ثمّ يظهر له أنّ الأمر بخلاف ما اعتقده ، وتمسّكوا فيه بقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) ، ثمّ قال : إنّ هذا باطل ؛ لأنّ علم الله من لوازم ذاته المخصوصة ، وما كان كذلك كان دخول التغيّر والتبدّل فيه باطلاً (١).
وما حكاه الرازي عن «الرافضة» كاشف عن جهله بعقيدة الشيعة ، وإنّما سمعه عن بعض الكذّابين الأفّاكين الذين يفتعلون الكذب لغايات فاسدة ، وقد قبله من دون إمعان ودقّة ، مع أنّ موطنه ومسقط رأسه بلدة (ري) التي كانت آنذاك مزدحم الشيعة ومركزهم ، وكان الشيخ محمود بن عليّ بن الحسن سديد الدين الحمصي
__________________
(١) تفسير الرازي ٤ : ٢١٦ تفسير سورة الرعد.