لصيرورتهم علويين مذهباً ونزعة. وفي ظلّ هذه النزعة ضحّوا بأنفسهم ونفيسهم بين يدي عليّ عليهالسلام في حروبه.
أضف إليه أنّهم سمعوا من المصطفى صلىاللهعليهوآله فضائل إمامهم ومناقبه غير مرّة ، وهذا ممّا زادهم شوقاً وملأ قلوبهم حبّاً وولاءً له ، فقد روى المحدثون : أنّ اليمانيين طلبوا من النبيّ صلىاللهعليهوآله أن يبعث إليهم رجلاً يفقّههم في الدين ويعلّمهم السنن ويحكم بينهم بكتاب الله ، فبعث النبيّ صلىاللهعليهوآله علياً وضرب على صدره وقال : «اللهمّ اهد قلبه ، وثبّت لسانه». قال الإمام عليّ عليهالسلام : «فما شككت في قضاء بين اثنين حتّى الساعة» (١).
بقي الإمام عليّ عليهالسلام بينهم مدّة يفقّههم في الدين ، ويقضي بكتاب الله ، ويحلّ المشاكل القضائية ، بما تنبهر به العقول.
ومن هنا تتوضّح الصورة عن حقد الأُمويين على أهل اليمن وقسوتهم في تعاملهم معهم ، كما فعل ذلك بسر بن أرطاة عند حملته على اليمن ، حيث لم يترك محرّماً إلّا استحلّه ، ولا جريمة إلّا فعلها فلحقته اللعنة في الدارين.
نعم إنّ شيعة أهل اليمن كانوا من خلّص شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فلا غرو ولا غرابة أن يذكرهم في شعره بقوله :
فلو كنت بوّاباً على باب جنّة |
|
لقلت لهمدان ادخلي بسلام |
وممّا يدل على فرط حبّهم وولائهم لعليّ عليهالسلام ما قاله سيّدهم سعيد بن قيس الهمداني ـ رضوان الله عليه ـ في وقعة الجمل :
قل للوصيّ أقبلت قَحطانُها |
|
فادع بها تكفيكها هَمدَانُها |
همُ بنوها وهُم أخوانها (٢)
__________________
(١) كنز العمال ٦ : ١٥٨ و ٣٩٢ باب فضائل عليّ.
(٢) ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة ١ : ١٤٤ ـ ١٤٥.