فالأكثرية الساحقة في القرون الأُولى كانوا بين مشبّه ومعطّل ، غير أنّه سبحانه شملت عنايته أُمّة من المسلمين رفضوا التشبيه والتعطيل ، وسلكوا طريقاً ثالثاً وقالوا بأنّه يمكن للإنسان التعرّف على ما وراء الطبيعة بما فيها من الجمال والكمال عن طريقين :
١ ـ النظرة الفاحصة إلى عالم الوجود وجمال الطبيعة كما وردت في القرآن الكريم.
٢ ـ ترتيب المقاييس المنطقية للوصول إلى الحقائق العليا ، وهذا أيضاً هو الخطّ الذي رسمه القرآن الكريم ، وسار على هذا الخطّ الأئمّة عليهمالسلام من أوّلهم إلى آخرهم.
ترى ذلك في كلام الإمام علي عليهالسلام بوضوح ، في أحاديثه وخطبه ورسائله ، ولا يسعنا هنا أن نستعرض ولو بعضاً ممّا له عليهالسلام في هذا المجال ، إلّا أنّا نكتفي بحديث واحد.
سأله سائل : هل يقدر ربّك أن يُدخل الدنيا في بيضة من غير أن يُصغّر الدنيا أو يُكبّر البيضة؟ فقال : «إنّ الله تبارك وتعالى لا يُنسب إلى العجز ، والذي سألتني لا يكون» (١).
إنّ خطب الإمام علي عليهالسلام ورسائله وقصار حكمه كانت هي الحجر الأساس لكلام الشيعة وآرائهم في العقائد والمعارف ، ولم يتوقّف نشاط الشيعة في ذلك المجال ، بل ونتيجة لتوالي الأئمة عليهمالسلام إمام بعد إمام ، كان يعني ذلك استمرار عين المنهج السابق الذي ربّى عليه الإمام عليّ عليهالسلام شيعته ، فواصل الأئمّة من بعده ـ عليهم وعليهالسلام ـ في حياتهم تربية شيعتهم ، فشحذوا عقولهم بالدعوة إلى التدبّر والتفكّر في المعارف ، حتّى تربّى في مدرستهم عمالقة الفكر من عصر سيّد
__________________
(١) الصدوق ، التوحيد : ١٣٠ باب «القدرة» برقم ٩.