في غَيبته. ففي الغيبة الصغرى ، كان له وكلاء أربعة ، يقومون بحوائج الناس ، وكانت الصلة بينه وبين الناس مستمرّة بهم. وفي الغيبة الكبرى نصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالأحكام ، للقضاء وتدبير الأُمور ، وإقامة الحدود ، وجعلهم حجة على الناس ، فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف ، وبيان الأحكام ، ودفع الشبهات ، وبكل ما يتوقّف عليه نظم أُمور الناس (١).
وإلى هذه الأجوبة أشار الإمام المهدي عليهالسلام في آخر توقيع له إلى بعض نوّابه ، بقوله : «وأمّا وجهُ الانتفاع بي في غَيبتي ، فكالانتفاع بالشَّمسِ إذا غيّبَها عن الأبصار السحاب» (٢).
الثاني : لما ذا غاب المهدي عليهالسلام؟
إنّ ظهور الإمام بين الناس ، يترتّب عليه من الفائدة ما لا يترتب عليه في زمن الغيبة ، فلما ذا غاب عن الناس ، حتى حرموا من الاستفادة من وجوده ، وما هي المصلحة التي أخفته عن أعين الناس؟
الجواب :
أنّ هذا السؤال يجاب عليه بالنقض والحل :
__________________
(١) المراد من الغيبة الصغرى ، غيبته ـ صلوات الله عليه ـ منذ وفاة والده عام ٢٦٠ ه إلى عام ٣٢٩ ه ، وقد كانت الصلة بينه وبين الناس مستمرة بواسطة وكلائه الأربعة : الشيخ أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وولده الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان ، والشيخ أبي القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت ، والشيخ أبي الحسن علي بن محمد السَّمري.
والمراد من الغيبة الكبرى : غيبته من تلك السنة إلى زماننا هذا ، انقطعت فيها النيابة الخاصّة عن طريق أشخاص معينين ، وحلّ محلّها النيابة العامّة بواسطة الفقهاء والعلماء العدول ، كما جاء في توقيعه الشريف : «وأمّا الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليهم» (كمال الدين ، الباب ٤٥ ، ص ٤٨٤).
(٢) الصدوق : كمال الدين ، الباب ٤٥ ، ص ٤٨٥ الحديث ٤. وقد ذكر العلّامة المجلسي في وجه تشبيهه بالشمس إذا سترها السحاب ، وجوهاً ، راجعها في بحار الأنوار ج ٥٢ الباب ٢٠ ص ٩٣ ـ ٩٤.