إلى سجن السندي بن شاهك (١) ، وكان فاجراً فاسقاً ، لا يتورّع عن أي شيء تملّقاً ومداهنة للسلطان ، فغالى في سجن الإمام عليهالسلام وزاد في تقييده حتّى جاء أمر الرشيد بدسّ السمّ للكاظم عليهالسلام ، فأسرع السندي إلى إنفاذ هذا الأمر العظيم ، واستشهد الإمام عليهالسلام بعد طول سجن ومعاناة في عام ١٨٣ ه.
ولمّا كان الرشيد يخشى ردّة فعل المسلمين عند انتشار خبر استشهاد الإمام عليهالسلام ، لذا عمد إلى حيلة ماكرة للتنصّل من تبعة هذا الأمر الجلل ، فقد ذكر أبو الفرج الاصفهاني وغيره (٢) : أنّ الإمام الكاظم لما توفّي مسموماً أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد ، وفيهم الهيثم بن عديّ وغيره ليشهدوا على أنّه مات حتف أنفه دون فعل من الرشيد وجلاوزته ، ولما شهدوا على ذلك أُخرج بجثمانه الطاهر ووضع على الجسر ببغداد ونودي بوفاته. ودفن في بغداد في الجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش المشهورة في أيامنا هذه بالكاظمية.
فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد سجيناً مظلوماً مسموماً ، ويوم يبعث حيّاً.
__________________
(١) قال أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين : ٥٠٢ : لمّا اعتقل الرشيد الإمام الكاظم عليهالسلام أمر بإرساله إلى البصرة ليسجن عند عيسى بن جعفر المنصور ، وكان على البصرة حينئذ ، فحبس عنده سنة ، ثمّ كتب إلى الرشيد : أن خذه منّي وسلّمه إلى من شئت ، وإلّا خلّيت سبيله ، فقد اجتهدت أن آخذ عليه حجّة فما أقدر على ذلك ، حتّى أنّي لأتسمّع عليه إذا دعا لعلّه يدعو عليَّ أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلّا لنفسه ، يسأل الله الرحمة والمغفرة.
فوجّه الرشيد من تسلّمه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع في بغداد ، فبقي عنده مدة طويلة ، ثمّ كتب إليه ليسلّمه إلى الفضل بن يحيى ، فتسلّمه منه ، وطلب منه أن يعمد إلى قتل الإمام كما طلب من عيسى بن جعفر فلم يفعل ، بل عمد إلى إكرام الإمام عليهالسلام والاحتفاء به ، ولما بلغ الرشيد ذلك أمر به أن يجلد مائة سوط ، ثمّ أخذ الإمام منه وسلّمه إلى السندي بن شاهك لعنه الله ، وكانت نهاية حياة الإمام الطاهرة على يده الفاجرة.
(٢) مقاتل الطالبيين : ٥٠٤.