ويخرّ لله ساجداً ، فلا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد حتّى يقرب زوال الشمس.
كان يدعو كثيراً فيقول : «اللهمّ إنّي أسألك الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب» ، ويكرّر ذلك.
وكان من دعائه عليهالسلام : «عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك».
وكان يبكي من خشية الله حتّى تخضل لحيته بالدموع.
وكان أوصل الناس لأهله ورحمه.
وكان يتفقّد فقراء المدينة في الليل ، فيحمل إليهم الزنبيل فيه العين والورق والأدقة والتمور ، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أيّة جهة هو (١).
٤ ـ في تحف العقول للحسن بن عليّ بن شعبة : قال أبو حنيفة : حججت في أيام أبي عبد الله الصادق عليهالسلام فلمّا أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه ، إذ خرج صبي فقلت : يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟ قال : «على رسلك» ، ثمّ جلس مستنداً إلى الحائط ، ثمّ قال : «توقّ شطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، وأفنية المساجد ، وقارعة الطريق ، وتوار خلف جدار ، وشل ثوبك ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، وضع حيث شئت» فأعجبني ما سمعت من الصبيّ فقلت له : ما اسمك؟ فقال : «أنا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب» فقلت له : يا غلام ممّن المعصية؟ فقال : «إنّ السيّئات لا تخلو من إحدى ثلاث : إمّا أن تكون من الله وليست من العبد ؛ فلا ينبغي للربّ أن يعذّب العبد على ما لا يرتكب ، وإمّا أن تكون منه ومن العبد ـ وليست كذلك ـ فلا ينبغي للشريك القويّ أن يظلم الشريك الضعيف ، وإمّا أن تكون من العبد ـ وهي منه ـ فإن عفا فكرمه وجوده ، وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته».
قال أبو حنيفة : فانصرفت ولم ألق أبا عبد الله واستغنيت بما سمعت.
__________________
(١) الإرشاد : ٢٩٦.