٣ ـ إنّ الحديث منذ صدوره من منبع الوحي ، تسابقت الشعراء والأُدباء على نظمه ، وإنشاده في أبيات وقصائد امتدّت رقعتها منذ عصر انبثاق ذلك النصّ في تلك المناسبة إلى عصرنا هذا ، وبمختلف اللغات والثقافات ، وقد تمكّن البحّاثة المتضلّع العلّامة الأميني من استقصاء وجمع كلّ ما نظم باللغة العربية حول تلك الحادثة ، والمؤمّل والمنتظر من كافّة المحقّقين على اختلاف ألسنتهم ولغاتهم استنهاض هممهم لجمع ما نظم وأُنشد في أدبهم الخاص.
وحصيلة الكلام : قلّما نجد حادثة تاريخية حظيت في العالم البشري عامّة ، وفي التاريخ الإسلامي والأُمّة الإسلامية خاصّة بمثل ما حظيت به واقعة الغدير ، وقلّما استقطبت اهتمام الفئات المختلفة من المحدّثين والمفسّرين والكلاميّين والفلاسفة والأُدباء والكتّاب والخطباء وأرباب السير والمؤرّخين كما استقطبت هذه الحادثة ، وقلّما اعتنوا بشيء مثلما اعتنوا بها.
هذا ويستفاد من مراجعة التاريخ أنّ يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام كان معروفاً بين المسلمين بيوم عيد الغدير ، وكانت هذه التسمية تحظى بشهرة كبيرة إلى درجة أنّ ابن خلّكان يقول حول «المستعلي ابن المستنصر» :
«فبويع في يوم غدير خمّ ؛ وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجّة سنة ٤٨٧ ه» (١).
وقال في ترجمة المستنصر بالله ، العبّاسي : «وتوفّي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجّة سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، قلت : وهذه هي ليلة عيد الغدير ، أعني ليلة الثامن عشر من شهر ذي الحجّة ، وهو غدير خمّ» (٢).
وقد عدّه أبو ريحان البيروني في كتابه «الآثار الباقية ممّا استعمله أهل الإسلام
__________________
(١) وفيات الأعيان ١ : ٦٠.
(٢) المصدر نفسه.