لم تر عيناي مثله ، ولم أسمع بمثله ، فعلى من أبغضه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد (١).
٢ ـ إنّ معاوية سأل ضرار بن حمزة بعد موت عليّ عنه ، فقال : صف لي عليّاً ، فقال : أو تعفيني؟ قال : صفه ، قال : أو تعفيني؟ قال : لا أعفيك ، قال : أمّا إذ لا بدّ فأقول ما أعلمه منه :
والله كان بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل وظلمته ، كان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يقلّب كفّيه ، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب.
كان والله كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه هيبة ، ولا نبتدئه عظمة ، إن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظّم أهل الدين ، ويحبّ المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله.
فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، وكأنّي أسمعه وهو يقول : يا دنيا أبي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات غرّي غيري ، قد باينتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطرك كثير ، آه من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق.
قال : فذرفت دموع معاوية على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمّه وقد اختنق القوم بالبكاء ، فقال معاوية : رحم الله أبا الحسن! كان والله كذلك ، فكيف حزنك
__________________
(١) ميزان الاعتدال ١ : ٤٨٤.