وفيّا يؤثرني على الأقران. وصحبته بضع عشر عاما مقاما وسفرا وانتقالا. ورافقته كرتين من بغداد إلى دمشق. وأخذت عنه في البلاد من علمه ونظمه ، وأخذ عني بسر من رأى. وكان غزير العلم ، خطير القدر والأصل.
وقد عدّلني تعديلا ما عدّله أحد من أمثالي. وذلك أنّ قاضي دمشق التمسني منه ليعدّلني ، فامتنع لسبب جرى من القاضي ، فطفق الرّسول يتضرّع إليه ويسأله حتّى أذن ، فغدوت معه فأخرج لي القاضي ملبوسا فاخرا من ملابسه ، فلبسته وأشهدني عليه وعدّلني ، ورجعت راكبا على بغلته إلى منزلي ، قدّس الله روحه.
وقال الشّريف عزّ الدّين : كان كمال الدّين ابن العديم جامعا لفنون من العلم ، معظما عند الخاصّة والعامّة. وله الوجاهة التامّة عند الملوك. وجمع تاريخا كبيرا لحلب أحسن فيه ما شاء. ومات وبعضه مسوّدة لم يبيّضه ، ولو كمّل تبييضه لكان أكثر من أربعين مجلدا. سمعت منه واستفدت به.
قلت : من نظر في «تاريخه» علم جلالة الرّجل وسعة اطّلاعه.
وكان قد ناب في السّلطنة ، وعلم عن الملك النّاصر في غيبته عن دمشق.
وذكر في «تاريخه» أنّه دخل مع والده على الملك الظّاهر غازي ، وأنّه هو الّذي حسن له جمع «تاريخ لحلب».
روى عنه : ابنه الصاحب مجد الدّين عبد الرحمن ، والدّمياطيّ ، والبدر محمد بن أيّوب التّادفيّ ، وعلم الدّين الدويداريّ ، وأبو الفضل إسحاق الاسديّ ، وجماعة.
وتوفي إلى رحمة الله في العشرين من جمادى الأولى بالقاهرة ، بظاهرها ، ودفن بسفح المقطم.
٥٤٢ ـ عمر بن عليّ (١) بن المظفر بن القاسم.
أبو العبّاس النشبيّ (٢) ، الربعيّ ، الدّمشقيّ ، الصّائغ.
__________________
(١) ورد ذكر أبيه «علي بن المظفّر» في : المشتبه ١ / ٧٤ و ٣٤٨ ، وتوضيح المشتبه ١ / ٥٠٠ و ٥ / ٢٦. وستأتي ترجمة عمه «نصر الله» برقم (٥٥٨).
(٢) النشبي : بضم النون وسكون الشين المعجمة وباء موحدة مكسورة. من نشبة : بطن من قيس.