فلمّا ثبت بايعه النّاس. وبدأ بالبيعة السّلطان الملك الظّاهر ، ثمّ الكبار على مراتبه ، ونقش باسمه على السّكّة ، وخطب له ولقّب بلقب أخيه ، وفرح النّاس.
وقال الشّيخ قطب الدّين (١) : كان المستنصر أبو القاسم محبوسا ببغداد ، فلمّا أخذت التّتار بغداد أطلق ، فصار إلى عرب العراق ، واختلط بهم. فلمّا تسلطن الملك الظّاهر وفد عليه في رجب ومعه عشرة من بني مهارش ، فركب السّلطان للقائه ومعه القضاة والدّولة ، فشقّ القاهرة. ثمّ أثبت نسبه على الحاكم ، وبويع للخلافة. وركب يوم الجمعة من البرج الّذي كان بالقلعة ، وعليه السّواد إلى جامع القلعة ، فصعد المنبر ، وخطب خطبة ذكر فيها شرف بني العبّاس ، ودعا فيها للسّلطان وللمسلمين ، ثمّ صلّى بالنّاس.
قال : وفي شعبان رسم بعمل خلعة خليفتيّة للسّلطان ، وبكتابة تقليد له. ثمّ نصبت خيمة بظاهر القاهرة ، وركب المستنصر بالله والسّلطان يوم الإثنين رابع شعبان إلى الخيمة ، وحضر القضاة والأمراء والوزير ، فألبس الخليفة السّلطان الخلعة بيده ، وطوّقه ، ونصب منبر فصعد عليه فخر الدّين لقمان فقرأ التّقليد ، وهو من إنشاء ابن لقمان. ثمّ ركب السّلطان بالخلعة ، ودخل من باب النّصر ، وزيّنت القاهرة ، وحمل الصّاحب التّقليد على رأسه راكبا ، والأمراء مشاة. وهذا هو الثّامن والثّلاثون من خلفاء بني العبّاس. وكانت بيعته بقلعة الجبل ، في ثالث عشر رجب.
قال : وأوّل من بايعه قاضي القضاة تاج الدّين ، ثمّ السّلطان ، ثمّ الشّيخ عزّ الدّين بن عبد السّلام.
وكان شديد السّمرة ، جسيما ، عالي الهمّة ، شجاعا. وما بويع أحد بالخلافة بعد ابن أخيه إلّا هو ، والمقتفي ابن المستظهر ، بويع بعد الرّاشد بن المسترشد بن المستظهر.
وقد ولي الأمر ثلاثة إخوة : الرّاضي ، والمتّقي ، والمطيع بنو المقتدر ، وولي قبلهم : المكتفي ، والمقتدر ، والقاهر بنو المعتضد ، وولي من قبلهم : المنتصر ، والمعتزّ ، والمعتمد بنو المتوكّل ، ووليها : الأمين والمأمون والمعتصم بنو الرّشيد.
__________________
(١) في ذيل مرآة الزمان ٢ / ١٦٣.