فقالت : عندي دابّة قد ماتت ، وما لي من يجرّها عنّي. فقال : امض وحصّلي (١) لي حبلا حتّى أبعث من يجرّها. فمضت وفعلت ، فجاء بنفسه وربط الحبل في الدّابّة ، وجرّها إلى باب البلد ، فجرّوها عنه.
وكان متواضعا لا يركب فرسا ولا بغلة ، بل لمّا كبر كان يركب حمارا ، ويمنع من أن يوطأ عقبه. وكان دأبه جبر قلوب الضّعفاء من النّاس. وكان في الزّاوية شيخ كبير به قطار البول ، فكان يبدّد الصّاغرة من تحته.
وكان لا يمكّن أحدا من تقبيل يده ، ويقول : من مكّن أحدا من تقبيل يده نقص من حاله شيء.
وكان لا يقبل إلّا ممّن يعرف أنّه طيّب الكسب.
وحدّثني الإمام شمس الدّين الدّباهيّ قال : حدّثني الشّيخ عبد الله كشلة قال : قدمت على الشّيخ أبي بكر بمنزله ببالس ، فلمّا رأيته هبته ، وعلمت أنّه وليّ الله ، ورأيته يحضر السّماع بالدّفّ ، وكنت أنكره ، غير أني كنت أحضر السّماع بغير الدّفّ ، وقلت في نفسي : إن حضرت مع هذا الوليّ وحصل منّي إنكار عليه حصل لي أذى. وخشيت من قلبه ، فغبت ولم أحضر.
توفّي الشّيخ في سلخ رجب سنة ثمان وخمسين بقرية علم ودفن بها. فأخبرني والدي أنّ أباه أوصى أن يدفن في تابوت وقال : يا بنيّ أنا لا بد أن أنقل إلى الأرض المقدّسة. فنقل بعد اثنتي عشر سنة ، وسرت معه إلى دمشق ، وشهدت دفنه ، وذلك في تاسع المحرّم سنة سبعين. ورأيت في سفري معه عجائب ، منها أنّا كنّا لا نستطيع غالب اللّيل أن نجلس عنده لكثرة تراكم الجنّ عليه وزيارتهم له (٢).
قلت : وقبره ظاهر يزار بزاوية ابن ابنه الشّيخ القدوة العارف شيخنا أبي عبد الله محمد بن عمر ، نفع الله ببركته.
٤٧٦ ـ أبو عليّ بن محمد (٣) بن الأمير أبي عليّ بن باساك.
__________________
(١) في الأصل : «وحصل».
(٢) ذيل مرآة الزمان ١ / ٣٩٣ وما بعدها.
(٣) انظر عن (أبي علي بن محمد) في : ذيل مرآة الزمان ١ / ٣٨٤ ، ٣٨٥ ، والعبر ٥ / ٢٥١ ،