قال : ولمّا قدم الملك الكامل إلى دمشق طلب من أخيه الأشرف أن يحضر له الشّيخ ليراه ، فأحضره من بعلبكّ. فلمّا رآه عظم في عينه ، وأرسل إليه مالا فلم يقبله.
ولمّا ملك الصّالح نجم الدّين البلاد قالوا له عنه إنّه يميل إلى عمّه الصّالح إسماعيل ، فبقي في نفسه منه ، فلمّا اجتمع به بالغ في إكرامه ، ولم يشتغل عنه بغيره ، فلمّا فارقه بالغ في الثّناء عليه ، فقيل له : إلّا أنّه يحبّ عمّك الصّالح. فقال : حاشى ذاك الوجه المليح.
وقدم في أواخر عمره دمشق سنة خمس وخمسين ، فخرج الملك النّاصر إلى زيارته بزاوية القرشيّ ، وتأدّب معه ، وعظّمه ، واستعرض حوائجه.
وكان يكره الاجتماع بالملوك ولا يؤثره ، ولا يقبل إلّا هدية من مأكول ونحوه.
قلت : وقد خدمه مدّة شيخنا عليّ بن أحمد بن عبد الدّائم ، فقال : كان للشّيخ الفقيه أوراد ، لو جاء ملك من الملوك ما أخّرها عن وقتها. وكنت أخدمه ، فورد الشّيخ عثمان شيخ دير ناعس ، فجلس ينتظر الشّيخ ، فقال : أشتهي أن يكشف الشّيخ الفقيه عن صدره فأعانقه ، ويعطيني ثوبه. فلمّا جاء الشّيخ وأكلوا ، قال : قم يا شيخ عثمان. فكشف عن صدره وعانقه ، وأعطاه ثوبه ، وقال : كلّما تقطّع ثوب أعطيتك غيره.
وكان ما يرى إظهار الكرامات ، وكان يقول : كما أوجب الله على الابنياء عليهمالسلام إظهار المعجزات ، أوجب على الأولياء إخفاء الكرامات.
قال : وذكروا مرّة عنده الكرامات فقال : والكم أيش الكرامات. كنت عند الشّيخ عبد الله وأنا صغير ، وكان عنده بغاددة يعملون مجاهدات ، فكنت أرى من يخرج من باب دمشق ، وأرى الدّنيا أمامي مثل الوردة فكنت أقول للشّيخ : يا سيّدي يجيء إلى عندك من دمشق أناس ومعهم كذا وكذا ، وأناس من حمص ومن مصر ، فإذا جاء ما أقول يقولون : يا سيّدي ، نحن نعمل مجاهدات وما نرى ، وهذا يرى. فيقول : هذا ما هو بالمجاهدات ، هذا موهبة من الله.