ذكره الشّيخ قطب الدّين فقال : كان ملكا جليل القدر ، عالي الهمّة ، عظيم السّطوة والسّياسة ، قاهرا لأمرائه. قتل وشنق وقطع ما لا نهاية له حتّى هذّب البلاد. ومع هذا فكان محبوبا إلى رعيّته ، يحلفون بحياته ، ويتغالون فيه ، ويلقّبونه قضيب الذّهب. وكان كثير البحث عن أخبار رعيّته.
توفّي في عشر التّسعين (١) وفي وجهه النّضارة ، وقامته حسنة ، يخيّل إلى من يراه أنّه كهل.
قلت : ولمّا رأى أنّ جاره مظفّر الدّين صاحب إربل يتغالى في أمر المولد النّبويّ ويغرم عليه في العام أموالا عظيمة ، ويظهر الفرح والزّينة ، عمد هو إلى يوم في السّنة ، وهو عيد الشّعانين الّذي للنّصارى ، لعنهم الله ، فعمل فيه من اللهو والخمور والمغاني ما يضاهي المولد المكرّم ، فكان يمدّ سماطا طويلا إلى الغاية بظاهر البلد ، ويجمع مغاني البلاد ، ويكون السّماط خونجا وباطية خمر على هذا التّرتيب ، ويحضره خلائق ، وينثر على النّاس الذّهب من القلعة ، يسفي الذّهب بالصّينيّة الذّهب ، ويرميه عليهم ، وهم يقتتلون ويتخاطفون الدّنانير الخفيفة ، ثمّ يعمد إلى الصّينيّة في الآخر فيقصّ له بالكازن من أقطارها إلى المركز ، وتخلّى معلّقة بحيث أنّه إذا تجاذبوها طلع في يد كلّ واحد منها قطعة. فحدّثونا أنّه كان بالموصل رجل يقال له عثمان القصّاب ، كان طوالا ضخما ، شديد الأيد والبطش ، بحيث أنّه جاء مرّة إلى مخاضة ومعه خمس شياه ليدخل البلد ويقصبها ، فأخذ تحت ذا الإبط رأسين ، وتحت الإبط الآخر رأسين ، وفي فمه رأسا ، وخاض الماء بهم (٢) إلى النّاحية الأخرى. فإذا رمى بدر الدّين الصّينيّة إلى النّاس تضاربوا عليها ساعة ، ثمّ لا تكاد تطلع إلّا مع عثمان القصّاب.
ومقته أهل العلم والدّين على تعظيمه أعياد الكفر ، وعلى أمور أخرى ، فقال فيه شاعرهم :
يعظّم أعياد النّصارى تلهيّا |
|
ويزعم أنّ الله عيسى بن مريم |
__________________
(١) في عيون التواريخ ٢٠ / ٢١٦ «وعمره مقدار ثمانين سنة».
(٢) كذا ، والصواب : «بها».