الأسرى ملوك وكنود (١) ، وأحصي عدّة الأسرى فكانوا نيّفا وعشرين ألف آدميّ ، والّذي غرق وقتل سبعة آلاف نفس (٢) ، فرأيت القتلى وقد ستروا وجه الأرض من كثرتهم. وكان الفارس العظيم يأتيه وشاقيّ يسوقه وراءه كأذلّ ما يكون ، وكان يوما لم يشاهد المسلمون ولا سمعوا بمثله ، ولم يقتل في ذلك اليوم من المسلمين مائة نفس.
ونفذ الملك المعظّم للفرنسيس وللملوك والكنود خلعا ، وكانوا نيّفا وخمسين ، فلبس الكلّ سواه وقال : أنا بلادي بقدر بلاد صاحب مصر كيف ألبس خلعته؟ (٣). وعمل من الغد دعوة عظيمة ، فامتنع الملعون أيضا من حضورها وقال : أنا ما آكل طعامه ، وما يحضرني إلّا ليهزأ بي عسكره ، ولا سبيل إلى هذا. وكان عنده عقل وثبات ودين فيهم ، وكانوا يعتقدون فيه. وكان حسن الخلقة.
وانتقى المعظّم الأسرى فأخذ أصحاب الصّنائع ، ثمّ أمر بضرب أعناق الجميع.
وقال غيره : ثمّ حبسوا الإفرنسيس بالمنصورة بدار الطّواشيّ صبيح (٤) مكرما غاية الإكرام.
وفي ذلك يقول الصّاحب جمال الدّين ابن مطروح :
قل للفرنسيس إذا جئته |
|
مقال صدق من (٥) قؤول فصيح (٦) |
__________________
(١) الكنود : مفردها كند ، وهو تعريب etnoC.
(٢) جاء في (أخبار الأيوبيين لابن العميد ١٦٠) إن القتلى من الفرنج بلغوا ما يزيد عن عشرين ألف فارس ، وأن الأسرى من الفرنج والخيّالة والرجّالة والصنّاعة والسوقة ما يناهز مائة ألف نفس. وانظر : الدر المطلوب ٣٧٧.
(٣) العبر ٥ / ١٩٦.
(٤) وفي : المختصر لأبي الفداء ٣ / ١٨١ «وجعل في الدار التي كان ينزلها كاتب الإنشاء فخر الدين بن لقمان ، ووكّل به الطواشي صبيح المعظّمي».
(٥) في المختصر لأبي الفداء : «عن».
(٦) في المختصر لأبي الفداء : «نصيح» ، وفي تاريخ ابن سباط ١ / ٣٥٢ «صحيح».