ضرّا شديدا ، وكان لا ينام من القمل ، ثمّ أخرجه وأنعم عليه ، وجعله نائب السّلطنة.
وكان يتعانى شرب النّبيذ ، نسأل الله العفو. فلمّا توفّي السّلطان ندبوا فخر الدّين إلى السّلطنة فامتنع ، ولو أجاب لتمّ له الأمر.
بلغنا عنه أنّه قدم دمشق مع السّلطان فنزل دار سامة (١) فدخل عليه العماد ابن النّحّاس فقال له : يا فخر الدّين إلى كم؟ ما بقي بعد اليوم شيء.
فقال : يا عماد الدّين ، والله لأسبقنّك إلى الجنّة. فصدّق الله إن شاء الله قوله ، واستشهد يوم وقعة المنصورة.
ولمّا مات الصّالح قام فخر الدّين بأمر الملك ، وأحسن إلى الرّعيّة ، وأبطل بعض المكوس ، وركب الشّاويشيّة ، ولو أمهله القضاء لكان ربّما تسلطن.
بعث الفارس أقطاي إلى حصن كيفا لإحضار الملك المعظّم توران شاه ولد السّلطان ، فأحضره وتملّك.
وقد همّ المعظّم هذا بقتله ، فإنّ المماليك الّذين ساقوا إلى دمشق يستعجلون المعظّم أوهموه أنّ فخر الدّين قد حلّف لنفسه على الملك. واتّفق مجيء الفرنج إلى عسكر المسلمين ، واندفاع العسكر بين أيديهم منهزمين ، فركب فخر الدّين وقت السّحر ليكشف الخبر ، وأرسل النّقباء إلى الجيش ، وساق في طلبه ، فصادف طلب الدّيويّة ، فحملوا عليه ، فانهزم أصحابه وطعن هو فسقط وقتل. وأمّا غلمانه فنهبوا أمواله وخيله.
قال سعد الدّين ابن عمّه : كان يوما شديد الضّباب فطعنوه ، رموه ، وضربوا في وجهه بالسّيف ضربتين ، وقتل عليه جمداره لا غير ، وأخذ الجولانيّ قدور حمّامه الّذي بناه بالمنصورة ، وأخذ الدّمياطيّ أبواب داره ، فقتل يومئذ
__________________
(١) يرد في المصادر : «سامة» و «أسامة» بإسقاط الهمزة وإثباتها. وهو أسامة والي بيروت ، من أمراء الناصر صلاح الدّين.