المسلمون الثّغرة ، وجاء الفرنج بأسرهم إليها ورموا بالحجارة ، وقتلوا خلقا كثيرا ، وصبر النّاس ، وكلّما تعب قوم خرجوا وجاء غيرهم إلى أن تعبت الفرنج فطلبوا الأمان ، فأمّنهم الأمير على أن يكونوا أسرى. فنزلوا على ذلك ، فكانوا مائتين وستّين أسيرا. وأخذ الأمراء خفية نحو خمسين أسيرا ، وغنم النّاس طبريّة بما فيها. ووجدنا منهم في القلعة قتلى كثيرة وجرحى ، وكان يوما مشهودا. وأخربت القلعة وقسّمت على العسكر.
[فتح عسقلان]
ثمّ رحلنا بآلات الحصار جميعها إلى عسقلان ، وقد نزل عليها قبلنا الأمير شهاب الدّين بن الغرز ، فأحاطت بها العساكر ، ومراكب الفرنج وشوانيهم تحتها ، ومراكبنا مرسية على السّاحل ، وهي قلعة مليحة ستّة عشر برجا ، نصفها في البحر ، فنزلنا ورمينا بالمجانيق. وجاءت مراكبهم إلى مراكبنا فاقتتلوا ، وكانت ساعة مشهودة.
ثمّ هاج البحر واغتلم ، واصطدم موجه فكسر شوانينا وطحنها على السّاحل ، وهي خمسة وعشرون. وسلمت شواني الفرنج لأنّهم كانوا مرسيّين في وسط البحر ، فأخذنا خشب الشّواني عملناه ستائر للزّحف. وكمل لنا أربع عشرة منجنيقا ترمي على القلعة ، ومناجيقهم لا تبطل ساعة ، وأحرقوا ستائر منجنيقين رموها ... (١) محميّة ، وكسروا لنا منجنيقين ، وخرّبوا وقتلوا جماعة.
وبعد أيّام شرعنا في طمّ الخندق من الثّقب ، وجاءهم اثنا عشر مركبا نجدة. وكان المدد يأتيهم ويأتينا أيضا.
وخرجوا غير مرّة وقاتلوا ، فزحفنا في عاشر جمادى الأولى عليها من كلّ جهة ، وقاتل المسلمون قتالا عظيما وملكوا الباشورة ، وقتل نحو ستّين نفسا ، وجرح خلق. وثبنا على خنادق القلعة وأخذنا ثقوبا في برج وبدنة.
__________________
(١) في الأصل بياض مقدار كلمة ، لعلّها «بقدور».