وقال الجزريّ أيضا : حدّثني عماد الدّين يحيى بن أحمد الحسينيّ البصرويّ ومؤيّد الدّين عليّ بن خطيب عقربا أنّ جمال الدّين خطيب عقربا جدّ المؤيّد والفلك المسيريّ الوزير وابن سلام طلعوا إلى قرية للفلك فعزموا على زيارة الحريريّ ببسر ، فقال أحدهم : إن كان رجلا صالحا فعند وصولنا يطعمنا بسيسة ، وقال الآخر : ويطعمنا بطّيخ أحمر (١) ، وقال الآخر : ويحضر لنا فقّاعا بثلج. فأتوه فتلقّاهم أحسن ملتقى ، وأحضر البسيسة ، وأشار إلى من اشتهاها أن كل ، وأحضر البطّيخ وأشار إلى الآخر أن كل. ثمّ نظر إلى الّذي اشتهى الفقّاع وقال : كان عندي باب البريد. ثمّ دخل فقير وعلى رأسه دست فقّاع وثلج فقال : اشرب بسم الله.
وذكر المولى بهاء الدّين يوسف بن أحمد بن العجميّ ، فيما حدّثني به رجل معتبر عنه ، أنّ الصّاحب مجد الدّين ابن العديم حدّثه عن أبيه الصّاحب كمال الدّين قال : كنت أكره الحريريّ وطريقه ، فاتّفق أنّي حججت ، فحجّ في الرّكب ومعه جماعة ومردان ، فأحرموا وبقي يبدو منهم في الإحرام أمور منكرة. فحضرت يوما عند أمير الحاجّ فجاء الحريريّ ، فاتّفق حضور إنسان بعلبكّيّ وأحضر ملاعق بعلبكّيّة ، ففرّق علينا لكلّ واحد ملعقتين ، وأعطى للشّيخ الحريريّ واحدة ، فأعطاه الجماعة ملاعقهم تكرمة له ، وأمّا أنا فلم أعطه ملعقتي ، فقال : يا كمال الدّين ما لك لا توافق الجماعة؟ فقلت : ما أعطيك شيئا. فقال : السّاعة ، تكسرها ، أو نحو هذا.
قال : والملعقتان على ركبتي ، فنظرت إليهما فإذا بهما قد انكسرتا ، فقلت : ومع هذا فما أرجع عن أمري فيك وهذا من الشّيطان. أو قال هذا حال شيطانيّ.
وقال ابن إسرائيل فيما جمعه من أخبار الحريريّ : صحبته حضرا وسفرا ، وبلغ سبعا وستّين سنة. كذا قال ابن إسرائيل. قال : وتوفّي في السّاعة من يوم
__________________
(١) هكذا في الأصل. والصواب لغويّا : بطّيخا أحمر.