وقال غيره : كان الرّفيع فقيها بالعذراويّة (١) وبالشّاميّة (٢) والفلكيّة (٣) ، وكان يشغل النّاس. وكان ذكيّا كثير التّحصيل. وصارت بينه وبين أمين الدّولة عليّ بن غزال الوزير صحبة أكيدة ، فولّاه قضاء بعلبكّ ، فلمّا توفّي القاضي شمس الدّين الخوئيّ طلبه أمين الدّولة ووليّ قضاء دمشق. فصار له جماعة يكتبون محاضر زور على الأغنياء ويحضرونهم فينكرون ، فيخرجون المحاضر فيعتقلهم بالجاروخيّة (٤) ، فيصالحون على البعض ، ويسيّر في السرّ إلى أمين الدّولة ببعض ذلك. فكثرت الشّكاوى. وبلغ السّلطان ، فأمر بكشف ما حمل إلى خزانة الدّولة في مدّته. وكان الوزير لا يحمل إلى الخزانة إلّا اليسير. فقال الرّفيع : الأمور عندي مضبوطة مكتوبة. فخافه الوزير وشغب عليه قلب السّلطان وحذّره غائلته ، فقال : أنت جئت به وأنت تتولّى أمره أيضا. فأهلكه.
ومن تعاليق عبد الملك بن عساكر قال : وليلة استهلّت سنة اثنتين نزل الوالي ابن بكّا إلى دار الرّفيع واحتاطوا على ما فيها ، وشرعوا بعد يوم في البيع ، فمن ذلك أربعة عشرة بغلة ومماليك ، وتسعمائة مجلّد وجوار وأثاث. وساروا بالقاضي فألبسوه طرطورا وتوجّهوا به نحو بعلبكّ. وولّي القضاء ابن الزّكيّ.
وذكر صاحبنا شمس الدّين محمد بن إبراهيم في «تاريخه» (٥) قال : وفيها ، يعني سنة اثنتين ، عزل الرّفيع الجيليّ عن مدارسه. فكان في آخر السّنة الماضية قد عزل عن القضاء ، وسبب عزله وإهلاكه الوزير السّامريّ ، فإنّ الرفيع كتب فيه ورقة إلى الملك الصّالح يقول : قد حملت إلى خزائنك ألف ألف دينار من أموال النّاس.
فقال الصّالح : ولا ألف ألف درهم. وأوقف السّامريّ على الورقة
__________________
(١) انظر عن المدرسة العذراوية في : الدارس ١ / ١٤٣ و ٢٨٣.
(٢) انظر عن المدرسة الشامية (الجوّانية) في الدارس ١ / ٢٢٧ و ٢٥٦.
(٣) انظر عن المدرسة الفلكية في : الدارس ١ / ١٤٣ و ١٦٦ و ٣٢٧ و ٢ / ١٥٢.
(٤) انظر عن المدرسة الجاروخية في : الدارس ١ / ١٦٩.
(٥) انظر المختار من تاريخه للذهبي ١٩٤ ـ ١٩٦.