خوفا على أهليهم وأسبابهم ، وانضمّوا إلى الصّالح عماد الدّين ، وتمّ له الدّست. وبقي الصّالح نجم الدّين في مماليكه وجاريته أمّ خليل ، فطمع فيه أهل الغور والقبائل.
واتّفق عود الملك النّاصر من مصر عن غير رضى ، فأخبروه بما تمّ ، فأرسل عسكره ، فأحاطوا بالملك الصّالح نجم الدّين وحملوه على بغلة بلا مهماز ، وأحضروه إلى النّاصر ، فاعتقله مكرّما بالكرك سبعة أشهر. فطلب الملك العادل أخاه نجم الدّين من الملك النّاصر ، وبذل فيه مائة ألف دينار. وطلبه أيضا عمّه الملك الصّالح وصاحب حمص ، فما أجابهم النّاصر. واتّفق معه على أيمان وعهود ، ثمّ خرج به ، وقصد مصر. فلمّا بلغ الملوك إخراجه تألّموا من النّاصر وعادوه. واختلفت على الملك العادل ولد الكامل عساكره ، وكاتبوا الملك الصّالح أخاه يسألونه الإسراع ، فوصل إلى بلبيس في أواخر ذي القعدة ، وبها منصوب مخيّم الملك العادل ، فنزل به.
وذكر أبو عبد الله الجزريّ (١) وغيره ، قصّة نجم الدّين أيّوب ، قال : بقي في غلمانه وطمع فيه أهل الغور والعشران (٢) ، وكان مقدّمهم شيخ جاهل يقال له : تبل البيسانيّ ، فما زالوا وراءه وهو يحمل فيهم ، وأخذوا بعض ثقله ، ثمّ نزل على سبسطية (٣). وكان الوزيريّ قد عاد إلى نابلس ، فأرسل إليه يقول : قد مضى ما مضى وما زالت الملوك كذا ، وقد جئت مستجيرا بابن عمّي. ونزل في الدّار الّتي للنّاصر بنابلس. ثمّ كتب الوزيريّ إلى النّاصر يخبره الخبر. فبعث النّاصر عماد الدّين ابن موسك ، والظّهير ابن سنقر الحلبيّ في ثلاثمائة فارس ، فركب الصّالح نجم الدّين فتلقّاهم ، فقالوا : طيّب قلبك ، إلى بيتك جئت. فقال : لا ينظر ابن عمّي إلى ما فعلت وقد استجرت به. فقالوا : قد جارك وما عليك بأس.
__________________
(١) هو صاحب التاريخ الّذي اختار منه المؤلّف ـ رحمهالله ـ وعرف باسم «المختار من تاريخ ابن الجزري» ، وقد حققه خضير عباس محمد خليفة المنشداوي ، ونشرته دار الكتاب العربيّ ببيروت ١٤٠٨ ه / ١٩٨٨ م. أما الخبر المذكور هنا فهو ساقط من المطبوع.
(٢) في المرآة : «أهل الغور والقبائل».
(٣) سبسطية : مدينة قرب نابلس.