الأول : أن نقول : الهيولى ليست تمام ماهية الجسم ، بل هي أحد أجزاء ماهية الجسم. ولا يكفي في بقاء الشيء ، بقاء جزء من أجزاء ماهيته. فثبت : أن الذي ذكرناه لازم.
والوجه الثاني في الجواب : إن ماء البحر ، حين كان واحدا. إما أن يقال : إن هيولاه كانت واحدة ، أو ما كانت واحدة. فإن كانت واحدة ، فعند انقسام الجسم. إما أن يقال : بقيت تلك الهيولى واحدة كما كانت ، أو انقسمت وتعددت. ومحال أن تبقى واحدة ، وإلا لزم أن يقال : الماء الذي بالمشرق ، والماء الذي بالمغرب : ذات واحدة ، قامت [به (١)] صفتان. ومعلوم أن ذلك باطل. ولأنه يلزم اجتماع الأمثال في المحال. لأن الأعداد من الجسمية أمور متماثلة في تمام الماهية.
وأما القسم الثاني وهو أن يقال : لما صار الماء الواحد ماءين : صارت تلك الهيولى الواحدة أيضا اثنتين. فنقول : فعلى هذا التقدير. كما أن إيراد التقسيم على الماء الواحد ، يوجب إعدام الماء الأول وحدوث ماءين آخرين ، فكذلك هذا التقسيم ، يوجب إعدام الهيولى الأولى وحدوث فردين آخرين من الهيولى. وحينئذ يكون التقسيم إعداما للجسم الأول ، بحسب هيولاه وبحسب صورته. فيكون التفريق إعداما له بالكلية.
هذا إذا قلنا : إن الجسم عند ما كان واحدا ، كانت هيولاه واحدة. أما إذا قلنا : إنه عند ما كان الجسم واحدا ، كانت الهيوليات متعددة ، بحسب عدد الانقسامات الممكنة فيه. فنقول : فعلى هذا التقدير تكون الجسمية القائمة بكل واحدة من تلك الهيوليات ، مغايرة للجسمية القائمة بالهيولى الأخرى ، لامتناع قيام الصفة الواحدة بالمحال الكثيرة. وعلى هذا التقدير فقد كانت الكثرة موجودة بالفعل ، قبل ورود التقسيم. فوجب كون تلك الأجزاء موجودة بالفعل. فثبت : أن الجسم لو كان قابلا لانقسامات لا نهاية لها ، لكانت الأجزاء التي لا نهاية لها ، حاصلة فيه بالفعل. وذلك هو المطلوب.
__________________
(١) من (ط).