وثالثها : قول من يقول : إنها في نفسها شيء واحد ، وليس فيه تأليف من الأجزاء، ولا تركيب من الأبعاض.
إذا عرفت هذا ، فنقول : أما القول بكون الجسم مركبا من أجزاء متناهية. فإنه يلزم عليه القول بتفكك حجر الرحى ، وبتفكك أجزاء الفلك. وهو بعيد جدا. وأما القول بكون الجسم مركبا من أجزاء غير متناهية. فإنه يلزم عليه أن يتحرك المتحرك على أجزاء غير متناهية بالفعل ، في مدة متناهية. وذلك أشد امتناعا من التزام تفكك حجر الرحى.
وأما القول بأن الجسم البسيط شيء واحد في نفسه ، فهذا يلزم عليه أيضا : أنواع من المحالات :
فأحدهما : ما بينا أن على هذا القول : يلزم أن يكون تقسيم الجسم إعداما له ، وأن البعوضة إذا وقعت في البحر ، وغرست إبرتها في البحر فيلزم أن يقال : إن تلك البعوضة أعدمت البحر الأول ، وخلقت هذا البحر الجديد. ومعلوم أن التزام هذا ، أشد امتناعا من التزام تفكك حجر الرحى.
وثانيها : إنا بينا : أن المقاطع التي يمكن حصولها في الخط ، يكون كل واحد منها مختصا بخاصية معينة ، وهي قبول النصفية والثلثية والربعية ، وسائر ما لا نهاية له من المفاصل. ومع اختصاص كل واحد منها بخاصية معينة ، ممتنعة الحصول في غيره فإنه لا يكون الامتياز حاصلا بالفعل وذلك أشد امتناعا من التزام وقوع التفكك في حجر الرحى.
وثالثها : إن القائلين بكون الجسم قابلا لانقسامات غير متناهية التزموا أن يؤخذ من الخردلة صفائح يغشى بها وجه العرش والكرسي والسموات والأرضين ألف ألف مرة. ومعلوم: أن هذا أشد استبعادا ، من التزام تفكك حجر الرحى.
ورابعها : وهو أنكم قلتم : إن كل واحد من تلك الانقسامات التي لا نهاية لها ممكن بالفعل» وسلمتم : أن وجود واحد منها ، لا يمنع من حصول الآخر في الوجود. فيلزمكم أن تسلموا : أن تلك الانقسامات التي لا نهاية