عند محراب الصّحابة ـ وكان أكثر النّهار يتعبّد ويفتي ويطالع فيه ، ويجدّد الوضوء من طهارة المئذنة ، وهذا البيت هو الّذي كان يخرج منه خلفاء بني أميّة قبل أن يغيّر الوليد الجامع قال : فلمّا طلعت الشمس أتاه من جهة السلطان جماعة ، فأصرّ على الامتناع ، وأشار بتولية ابن الحرستانيّ ، فولّي. وكان قد خاف أن يكره على القضاء ، فجهّز أهله للسفر ، وخرجت المحابر إلى ناحية حلب ، فردّها الملك العادل ، وعزّ عليه ما جرى.
قال : وكان يتورّع من المرور في رواق الحنابلة لئلا يأثموا بالوقيعة فيه ، وذلك أنّ عوامّهم يبغضون بني عساكر ، لأنّهم أعيان الشافعية الأشعرية.
وعدل الملك المعظّم عن توليته المدرسة العادلية ، لكونه أنكر عليه تضمين المكوس والخمور ، ثمّ إنّه لمّا حجّ أخذ منه التّقويّة ، وأخذت منه قبل ذلك الصّلاحية الّتي بالقدس ، وما بقي له إلّا الجاروخية.
وقال أبو المظفّر الجوزيّ (١) : كان زاهدا ، عابدا ، ورعا ، منقطعا إلى العلم والعبادة ، حسن الأخلاق ، قليل الرغبة في الدّنيا. توفّي في عاشر رجب. ولم يتخلّف عن جنازته إلّا القليل.
قال أبو شامة (٢) : أخبرني من حضر وفاته ، قال : صلّى الظّهر ، ثمّ جعل يسأل عن العصر ، فقيل له : لم يقرب وقتها ، فتوضّأ ، ثمّ تشهّد وهو جالس ، وقال : رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، ومحمد نبيا ، لقّنني الله حجّتي ، وأقالني عثرتي ، ورحم غربتي (٣) ، ثمّ قال : وعليكم السلام. فعلمنا أنّه قد حضرت الملائكة. ثم انقلب على قفاه ميتا. وغسّله الفخر ابن المالكيّ ، والتّاج (٤) ابن أخيه زين الأمناء. وكان مرضه بالإسهال وصلّى عليه بالجامع أخوه زين الأمناء ، ومن الّذي قدر على الوصول إلى سريره؟
__________________
(١) في المرآة ٨ / ٦٣١.
(٢) في ذيل الروضتين ١٣٩.
(٣) وزاد أبو شامة : «وآنس وحدتي».
(٤) عبد الوهاب.